إذا كان أدونيس قد استعمل مصطلحي الجديد والحديث بمعنى واحد من قبل فإنه يناقض نفسه ويميز بينهما مرة أخرى فيقول: (فللجديد معنيان: زمني وهو في ذلك آخر ما استجد وفني أي ليس في ما أتى قبله ما يماثله.
كل جديد بهذا المعنى حديث، لكن ليس كل حديث جديداً.
هكذا نفهم كيف أن شاعراً معاصراً لنا يعيش بيننا قد يكون في الوقت نفسه قديماً).
فالجديد هنا زمني وفني في حين أن الحديث زمني فحسب، وبهذا يكون الجديد معياراً للحديث ولا يكون الحديث معياراً للجديد.
وهذا يناقض ما ذهب إليه أدونيس من قبل عندما وحد بين الجديد والحديث وجعل من صفة الحديث المغايرة أي عدم المماثلة التي ينسبها إلى الجديد في هذا التعريف.
وهذا يعني أن الحديث زمني وفني أيضاً مما يناقض قوله هنا.
كما يناقض نصه هذا قوله من قبل إن الحداثة زمنية وغير زمنية لأنها إبداعية أيضاً.
فأي تحديد للجديد سنأخذ به وسط هذه التعريفات المتناقضة؟.
وكما خلط أدونيس بين مصطلحي الجديد والحديث خلط أيضاً بين مصطلحي التجديد والحداثة.
فمثلما قرر أن الحداثة جوهرية وأنها ليست مجرد تجديد في الوزن أو الشكل وأنها كلية شاملة لأنها عقلية وموقف جديد من الحياة والفن، كذلك يقرر أن التجديد ليس مجرد تجديد على مستوى اللغة أو الشكل بل يجب أن يكون شاملاً لأنه تجديد في مفهوم الشعر ومبناه لا في شكله فحسب.
إن التجديد تجديد في الثقافة كلها.
وكما قرر أن الحداثة رؤيا وموقف من الحياة والفن، كذلك يقرر أن التجديد ليس مجرد تغيير في الشكل القديم إنما هو رؤية جديدة للعالم تكشف عن نظام لعلاقات جديدة بين الشاعر والعالم، والشاعر واللغة واللغة والأشياء.
ومعنى هذا أنه وسم التجديد بما وسم به الحداثة حتى لم يعد بينهما فرق يذكر، أي لا فرق بين الوسيلة والغاية.
فالتجديد ما هو إلا وسيلة من الوسائل المؤدية إلى الحداثة ومظهر من مظاهرها.
ومادام التجديد عند أدونيس انفصالاً ونفياً ورفضاً فإن الحداثة تكون أيضاً نفياً ورفضاً وانفصالاً عن الموروث.
إن أدونيس كثير الخلط في استعمال المصطلحات من جهة، كثير التناقض في الآراء من جهة أخرى.
لقد أكد في مواقف أن الحديث لا يمكن أن ينطلق من فراغ، وأن الجديد مرتبط بالقديم ثم ينقض هذا الرأي فيقرر الانقطاع عن التراث والماضي.
وهذا في ذاته خلط بين القانون العلمي والقانون الفني.
فالتطور العلمي يختلف عن التطور الفني لأن التطور العلمي يتبدى في التتابع والتراكم بحيث يغدو القانون العلمي الأحدث أكثر رقياً وتقدماً وأفضل من القانون العلمي الأقدم.
فالقانون العلمي الجديد يحل محل القانون القديم، أما العمل الفني فهو استمرار لما سبقه لا ينفيه ولا يحل محله.
كما لا يعني أن الحديث أفضل من القديم، بل قد يكون العكس صحيحاً.
التسميات
دراسات شعرية