التجديد الشعري عند يوسف الخال.. انقطاع عن التراث العربي ومعظم الحركات التجديدية تمت على يد الشعوبيين

إذا كان عبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري وعبد المعطي حجازي يربطون التجديد بالواقع والتراث فإن يوسف الخال يربطه بالحياة دون التراث، وكأن بين الحياة والتراث فاصلاً.

فالتراث إنما يحيا في الإنسان المرتبط بحياة اجتماعية معينة.
بل إن الخال لا يقصد بالحياة إلا حياة الشاعر ذاتها، فالشاعر لا يجدد شعره إلا إذا جدد حياته وعلاقته بالآخرين.

والتجديد بهذا يكون امتداداً طبيعياً لحياة الشاعر وعقليته.
ومادام الأمر كذلك فهو عام لا جزئي لأن الشاعر لا يمكن أن يقلد في الحياة ويجدد في الشعر.

وهو لا يمكن أن يجدد في جانب ويقلد في جانب مادام التجديد موقفاً وعقلية قبل كل شيء.
وهذا يعني أن يوسف الخال لا يميز بين التجديد والحداثة فهما عنده شيء واحد إذ ذكر من قبل أن الحداثة عقلية أولاً وتجديد في كل شيء.

على أن التجديد عند الخال وإن كان امتداداً للحياة في تطورها فإنه انقطاع عن التراث العربي.
بل إن التجديد عنده إنما يقوم به من هو خارج التراث، ذلك أن معظم الحركات التجديدية تمت على يد الشعوبيين.

فالعربي من هنا عاجز عن تجديد تراثه بنفسه وأن غيره أقدر على ذلك منه.
بل ينسب الخال العجز إلى التراث ذاته فيذهب إلى أن التجديد إنما يتم عن طريق تلقيح قيمنا العاجزة عن النمو بقيم تراث أجنبي أثبتت أنها قادرة على التجديد والاستمرار.

وفي الحالين إنما يأتي التجديد من الأجنبي أو بالاحتكاك بتراث أجنبي أي من خارج التراث العربي.
وكما فصل الخال بين التجديد والتراث العربي حاول أدونيس أيضاً الفصل بينهما.

وهو وإن كان يبدو معتدلاً أحياناً فيربط التجديد بمقدار خروجه عن الموروث في قوله: (إن دلالة التجديد الأولى في الشعر هي طاقة التغيير التي يمارسها بالنسبة إلى ما قبله وما بعده، أي طاقة الخروج على الماضي من جهة، وطاقة احتضان المستقبل من جهة أخرى).

فإنه يميل إلى الفصل بين التجديد والتراث في أغلب المواقف.
فالتجديد لا يتم إلا بانفصاله عن القديم ونفيه للسائد، الرفض والنفي عنده علامة الجدة والأصالة.

فالجدة نفي لما قبلها، القصيدة الحديثة تنفي القصيدة القديمة والإبداع يجب بعضه بعضاً.
والأصالة أيضاً رفض ونفي لما سبق فلا أصالة بدون تجديد، والتجديد عنده رفض ونفي.

وهذه نظرة تجريدية وقفز على الواقع والتاريخ فهل يمكن أن يكون الجديد نقياً من كل شائبة للقديم أو طبقة مستقلة عن الموروث؟

ويؤكد هذا الانفصال أيضاً في موضع آخر فيصرح أن (كل تجديد هو بالضرورة انفصال فاللاحق لا يمكن أن يكون جديداً أو حديثاً إلا إذا ناقض ما قبله وتجاوزه.

فالحديث لا ينشأ إلا كانفصال أو تغاير ولذلك فإن مقياس الحداثة أعني الثورية في الشعر هو في هذا التغاير).

وهو هنا يستعمل الجديد والحديث استعمالاً واحداً، فالجديد أو الحديث انفصال عن الموروث، في حين أكد من قبل أن الحديث مرتبط بالموروث.

وهو يستعمل مصطلحي الانفصال والتغاير بمعنى واحد، وهذا كله يدل على عدم الدقة في استعمال المصطلح.

- فهل يمكن أن ينفصل الجديد أو الحديث بمفهومه هو عن التراث؟
- ألم يقل أدونيس ذاته إن الشاعر لا يمكن أن يكون حديثاً إلا إذا تمثل القديم؟
- فهل يعني التمثل نفياً ورفضاً للتراث؟
- ألم يقل في موقف آخر إن الشاعر لا يكتب في فراغ بل يكتب ووراءه الماضي وأمامه المستقبل؟

إن أدونيس يناقض نفسه في نفي الصلة بين القديم والجديد إلا إذا كان يرى أن نفي (الحديث للقديم لا يعني إلغاء وجوده وتأثيره بل يعني إلغاء سيادته، فيما تظل فاعليته التي تأخذ وضعاً وأشكالاً مختلفة ومتفاوتة قائمة ومؤثرة في علاقة جدلية ب (الحديث) كما لا يعني سيادة الحديث اكتمال حداثته على نحو مثالي لا ينطوي تكوينه معه على ما ينتمي إلى القديم) كما يذهب إلى ذلك رفعت سلام.
على أن أدونيس يستعمل النفي بمعنى الإقصاء في أغلب الأحيان.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال