اختلاف الذريعة والوسيلة والنتيجة المترتبة عن كل منهما:
الأول: ان الوسيلة تكون مؤدية إلى المقصود بشكل مباشر، أي أنها في الغالب تؤدي إليه أما الذريعة فإنها محتملة، فالمشي إلى الصلاة وسيلة، فيأخذ حكم المقصود منه، فيكون مندوباً، ولهذا كان للماشي إلى المسجد في كل خطوة حسنة، ويحط عنه خطيئة، ويرفع بها درجة، وسفر المعصية محرم لكونه وسيلة إليها ولهذا فإن المسافر للمعصية يكون آثماً في سفره من حين خروجه من بيته لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
ومثال الذريعة: مجالسة رفقاء السوء، فإنه ذريعة إلى الحديث الباطل ونحوه، أو السفر إلى بلاد الفسق لا بقصد المعصية، فإنه معصية لكونه ذريعة إلى الوقوع في المحرم من النظر الحرام ونحوذلك، وما كان محرماً تحريم وسائل أو ذرائع فإنه يباح عند الحاجة أوز المصلحة الراجحة كما سيأتي.
والثاني: أن الوسيلة قد تكون لمفسدة وقد تكون لمصلحة ، بخلاف الذريعة فإنها لاتطلق إلا على ما كان ذريعة إلى مفسدة.
ولهذا فإن من الأهمية بمكان أن ينظر المجتهد أو المفتي إلى عواقب فتواه ، فقد يكون الأمر في طاهره مصلحة لكن يترتب عليه مفاسد قيكون محرماً ، سداً للذريعة.
وهذا أصل عظيم من أصول الدين وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله تسعة وتسعين دليلاً في كتابه أعلام الموقعين على أن قاعد سد الذرائع معتبرة في الشريعة ، وسنورد بعض ما تمس إليه الحاجة من تلك الأمثلة.
يقول رحمه الله:
[الأدلة على المنع من فعل ما يؤدي إلى الحرام ولو كان جائزا في نفسه]
الدلالة على المنع من وجوه:
- الوجه الأول: قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} فحرم الله تعالى سب آلهة المشركين - مع كون السب غيظا وحمية لله وإهانة لآلهتهم - لكونه ذريعة إلى سبهم الله تعالى، وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم، وهذا كالتنبيه بل كالتصريح على المنع من الجائز لئلا يكون سببا في فعل ما لا يجوز.
- الوجه الثاني: قوله تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} فمنعهن من الضرب بالأرجل وإن كان جائزا في نفسه لئلا يكون سببا إلى سمع الرجال صوت الخلخال فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهن.
- الوجه الثالث: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات} الآية - أمر تعالى مماليك المؤمنين ومن لم يبلغ منهم الحلم أن يستأذنوا عليهم في هذه الأوقات الثلاثة لئلا يكون دخولهم هجما بغير استئذان فيها ذريعة إلى اطلاعهم على عوراتهم وقت إلقاء ثيابهم عند القائلة والنوم واليقظة، ولم يأمرهم بالاستئذان في غيرها وإن أمكن في تركه هذه المفسدة لندورها وقلة الإفضاء إليها فجعلت كالمقدمة.
- الوجه الرابع: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا} نهاهم سبحانه أن يقولوا هذه الكلمة - مع قصدهم بها الخير - لئلا يكون قولهم ذريعة إلى التشبه باليهود في أقوالهم وخطابهم; فإنهم كانوا يخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم ويقصدون بها السب، ويقصدون فاعلا من الرعونة، فنهى المسلمون عن قولها ; سدا لذريعة المشابهة، ولئلا يكون ذلك ذريعة إلى أن يقولها اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم تشبها بالمسلمين يقصدون بها غير ما يقصده المسلمون.
- الوجه الخامس: قوله تعالى لكليمه موسى وأخيه هارون: {اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} فأمر تعالى أن يلينا القول لأعظم أعدائه وأشدهم كفرا وأعتاهم عليه; لئلا يكون إغلاظ القول له مع أنه حقيق به ذريعة إلى تنفيره وعدم صبره لقيام الحجة، فنهاهما عن الجائز لئلا يترتب عليه ما هو أكره إليه تعالى.
- الوجه السادس: أنه تعالى نهى المؤمنين في مكة عن الانتصار باليد، وأمرهم بالعفو والصفح ، لئلا يكون انتصارهم ذريعة إلى وقوع ما هو أعظم مفسدة من مفسدة الإغضاء واحتمال الضيم، ومصلحة حفظ نفوسهم ودينهم وذريتهم راجحة على مصلحة الانتصار والمقابلة.
- الوجه السابع: أنه تعالى نهى عن البيع وقت نداء الجمعة لئلا يتخذ ذريعة إلى التشاغل بالتجارة عن حضورها.
- الوجه الثامن: ما رواه حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال : نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه} متفق عليه. ولفظ البخاري: {إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه} فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم سابا لاعنا لأبويه بتسببه إلى ذلك وتوسله إليه وإن لم يقصده.
- الوجه التاسع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكف عن قتل المنافقين - مع كونه مصلحة - لئلا يكون ذريعة إلى تنفير الناس عنه، وقولهم : إن محمدا يقتل أصحابه، فإن هذا القول يوجب النفور عن الإسلام ممن دخل فيه ومن لم يدخل فيه، ومفسدة التنفير أكبر من مفسدة ترك قتلهم، ومصلحة التأليف أعظم من مصلحة القتل.
- الوجه العاشر: أن الله تعالى حرم الخمر لما فيها من المفاسد الكثيرة المترتبة على زوال العقل، وهذا ليس مما نحن فيه، لكن حرم القطرة الواحدة منها، وحرم إمساكها للتخليل لئلا تتخذ القطرة ذريعة إلى الحسوة ويتخذ إمساكها للتخليل ذريعة إلى إمساكها للشرب.
- الوجه الحادي عشر: أنه صلى الله عليه وسلم حرم الخلوة بالأجنبية ولو في إقراء القرآن، والسفر بها ولو في الحج وزيارة الوالدين، سدا لذريعة ما يحاذر من الفتنة وغلبات الطباع الوجه الثاني عشر: أن الله تعالى أمر بغض البصر - وإن كان إنما يقع على محاسن الخلقة والتفكر في صنع الله - سدا لذريعة الإرادة والشهوة المفضية إلى المحظور.
- الوجه الثالث عشر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء المساجد على القبور، ولعن من فعل ذلك، ونهى عن تجصيص القبور، وتشريفها، واتخاذها مساجد، وعن الصلاة إليها وعندها، وعن إيقاد المصابيح عليها، وأمر بتسويتها، ونهى عن اتخاذها عيدا، وعن شد الرحال إليها، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانا والإشراك بها، وحرم ذلك على من قصده ومن لم يقصده بل قصد خلافه سدا للذريعة.
- الوجه الرابع عشر: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وكان من حكمة ذلك أنهما وقت سجود المشركين للشمس، وكان النهي عن الصلاة لله في ذلك الوقت سدا لذريعة المشابهة الظاهرة، التي هي ذريعة إلى المشابهة في القصد مع بعد هذه الذريعة، فكيف بالذرائع القريبة؟
- الوجه الخامس عشر: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة، كقوله: {إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم} وقوله: {إن اليهود لا يصلون في نعالهم فخالفوهم} وقوله في عاشوراء: {خالفوا اليهود صوموا يوما قبله ويوما بعده} وقوله: {لا تشبهوا بالأعاجم} وروى الترمذي عنه: {ليس منا من تشبه بغيرنا} وروى الإمام أحمد عنه: {من تشبه بقوم فهو منهم} وسر ذلك أن المشابهة في الهدي الظاهر ذريعة إلى الموافقة في القصد والعمل.
- الوجه السادس عشر: أنه صلى الله عليه وسلم حرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها وقال: {إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم} حتى لو رضيت المرأة بذلك لم يجز; لأن ذلك ذريعة إلى القطيعة المحرمة كما علل به النبي صلى الله عليه وسلم.
- الوجه السابع عشر: أنه حرم نكاح أكثر من أربع لأن ذلك ذريعة إلى الجور، وقيل: العلة فيه أنه ذريعة إلى كثرة المؤنة المفضية إلى أكل الحرام، وعلى التقديرين فهو من باب سد الذرائع. وأباح الأربع - وإن كان لا يؤمن الجور في اجتماعهن - لأن حاجته قد لا تندفع بما دونهن; فكانت مصلحة الإباحة أرجح من مفسدة الجور المتوقعة.
- الوجه الثامن عشر: أن الله تعالى حرم خطبة المعتدة صريحا، حتى حرم ذلك في عدة الوفاء وإن كان المرجع في انقضائها ليس إلى المرأة; فإن إباحة الخطبة قد تكون ذريعة إلى استعجال المرأة بالإجابة والكذب في انقضاء عدتها.
- الوجه التاسع عشر: أن الله تعالى حرم عقد النكاح في حال العدة وفي الإحرام، وإن تأخر الوطء إلى وقت الحل لئلا يتخذ العقد ذريعة إلى الوطء، ولا ينتقض هذا بالصيام; فإن زمنه قريب جدا، فليس عليه كلفة في صبره بعض يوم إلى الليل.
- الوجه العشرون: أن الشارع حرم الطيب على المحرم لكونه من أسباب دواعي الوطء، فتحريمه من باب سد الذريعة.
- الوجه الحادي والعشرون: أن الشارع اشترط للنكاح شروطا زائدة على العقد تقطع عنه شبه السفاح، كالإعلام، والولي، ومنع امرأة أن تليه بنفسها، وندب إلى إظهاره حتى استحب فيه الدف والصوت والوليمة; لأن في الإخلال بذلك ذريعة إلى وقوع السفاح بصورة النكاح، وزوال بعض مقاصد النكاح من جحد الفراش، ثم أكد ذلك بأن جعل للنكاح حريما من العدة تزيد على مقدار الاستبراء، وأثبت له أحكاما من المصاهرة وحرمتها ومن الموارثة زائدة على مجرد الاستمتاع; فعلم أن الشارع جعله سببا ووصلة بين الناس بمنزلة الرحم كما جمع بينهما في قوله: {فجعله نسبا وصهرا} وهذه المقاصد تمنع شبهه بالسفاح، وتبين أن نكاح المحلل بالسفاح أشبه منه بالنكاح.
- الوجه الثاني والعشرون: أن النبي صلى الله عليه وسلم: {نهى أن يجمع الرجل بين سلف وبيع} ومعلوم أنه لو أفرد أحدهما عن الآخر صح، وإنما ذاك لأن اقتران أحدهما بالآخر ذريعة إلى أن يقرضه ألفا ويبيعه سلعة تساوي ثمانمائة بألف أخرى; فيكون قد أعطاه ألفا وسلعة بثمانمائة ليأخذ منه ألفين، وهذا هو معنى الربا، فانظر إلى حمايته الذريعة إلى ذلك بكل طريق، وقد احتج بعض المانعين لمسألة مد عجوة بأن قال: إن من جوزها يجوز أن يبيع الرجل دينارا في منديل بألف وخمسمائة مفردة، قال: وهذا ذريعة إلى الربا، ثم قال: يجوز أن يقرضه ألفا ويبيعه المنديل بخمسمائة، وهذا هو بعينه الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من أقرب الذرائع إلى الربا، ويلزم من لم يسد الذرائع أن يخالف النصوص ويجيز ذلك، فكيف يترك أمرا ويرتكب نظيره من كل وجه؟
- الوجه الثالث والعشرون: أن الآثار المتظاهرة في تحريم العينة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة تدل على المنع من عود السلعة إلى البائع إن لم يتواطآ على الربا، وما ذاك إلا سدا للذريعة.
- الوجه الرابع والعشرون: أن النبي صلى الله عليه وسلم منع المقرض من قبول الهدية، وكذلك أصحابه، حتى يحسبها من دينه، وما ذاك إلا لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى تأخير الدين لأجل الهدية فيكون ربا; فإنه يعود إليه ماله وأخذ الفضل الذي استفاده بسبب القرض.
- الوجه الخامس والعشرون: أن الوالي والقاضي والشافع ممنوع من قبول الهدية، وهو أصل فساد العالم، وإسناد الأمر إلى غير أهله، وتولية الخونة والضعفاء والعاجزين، وقد دخل بذلك من الفساد ما لا يحصيه إلا الله، وما ذاك إلا لأن قبول الهدية ممن لم تجر عادته بمهاداته ذريعة إلى قضاء حاجته، وحبك الشيء يعمي ويصم، فيقوم عنده شهوة لقضاء حاجته مكافأة له مقرونة بشره وإغماض عن كونه لا يصلح.
- الوجه السادس والعشرون: أن السنة مضت بأنه ليس للقاتل من الميراث شيء وما ذاك إلا لأن توريث القاتل ذريعة إلى وقوع هذا الفعل; فسد الشارع الذريعة بالمنع.
- الوجه السابع والعشرون: أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ورثوا المطلقة المبتوتة في مرض الموت حيث يتهم بقصد حرمانها الميراث بلا تردد.
- الوجه الثامن والعشرون: أن الصحابة وعامة الفقهاء اتفقوا على قتل الجميع بالواحد وإن كان أصل القصاص يمنع ذلك; لئلا يكون عدم القصاص ذريعة إلى التعاون على سفك الدماء.
- الوجه التاسع والعشرون: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تقطع الأيدي في الغزو لئلا يكون ذريعة إلى إلحاق المحدود بالكفار، ولهذا لا تقام الحدود في الغزو كما تقدم.
- الوجه الثلاثون: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن تكون له عادة توافق ذلك اليوم، ونهى عن صوم يوم الشك، وما ذاك إلا لئلا يتخذ ذريعة إلى أن يلحق بالفرض ما ليس منه، وكذلك حرم صوم يوم العيد تمييزا لوقت العبادة عن غيره لئلا يكون ذريعة إلى الزيادة في الواجب كما فعلت النصارى، ثم أكد هذا الغرض باستحباب تعجيل الفطر وتأخير السحور، واستحباب تعجيل الفطر في يوم العيد قبل الصلاة، وكذلك ندب إلى تمييز فرض الصلاة عن نفلها; فكره للإمام أن يتطوع في مكانه، وأن يستديم جلوسه مستقبل القبلة، كل هذا سدا للباب المفضي إلى أن يزاد في الفرض ما ليس منه.
- الوجه الحادي والثلاثون: أنه صلى الله عليه وسلم كره الصلاة إلى ما قد عبد من دون الله تعالى، وأحب لمن صلى إلى عود أو عمود أو شجرة أو نحو ذلك أن يجعله على أحد جانبيه، ولا يصمد إليه صمدا، قطعا لذريعة التشبه بالسجود إلى غير الله تعالى.
- الوجه الثاني والثلاثون: أن الله تعالى أوجب الحدود على مرتكبي الجرائم التي تتقاضاها الطباع وليس عليها وازع طبعي، والحدود عقوبات لأرباب الجرائم في الدنيا كما جعلت عقوبتهم في الآخرة بالنار إذا لم يتوبوا، ثم إنه تعالى جعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له; فمن لقيه تائبا توبة نصوحا لم يعذبه مما تاب منه، وهكذا في أحكام الدنيا إذا تاب توبة نصوحا قبل رفعه إلى الإمام سقط عنه الحد في أصح قولي العلماء، فإذا رفع إلى الإمام لم تسقط توبته عنه الحد لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى تعطيل حدود الله إذ لا يعجز كل من وجب عليه الحد أن يظهر التوبة ليتخلص من العقوبة وإن تاب توبة نصوحا سدا لذريعة السكوت بالكلية.
- الوجه الثالث والثلاثون: أن السنة مضت بكراهة إفراد رجب بالصوم، وكراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم وليلتها بالقيام، سدا لذريعة اتخاذ شرع لم يأذن به الله من تخصيص زمان أو مكان بما لم يخصه به; ففي ذلك وقوع فيما وقع فيه أهل الكتاب .
- الوجه الرابع والأربعون: أنه صلى الله عليه وسلم أمر المأمومين أن يصلوا قعودا إذا صلى إمامهم قاعدا وقد تواتر عنه ذلك، ولم يجئ عنه ما ينسخه، وما ذاك إلا سدا لذريعة مشابهة الكفار حيث يقومون على ملوكهم وهم قعود كما علله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله
- الوجه الرابع والثلاثون: أنه صلى الله عليه وسلم أمر المصلي بالليل إذا نعس أن يذهب فليرقد، وقال: لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه، فأمره بالنوم لئلا تكون صلاته في تلك الحال ذريعة إلى سبه لنفسه، وهو لا يشعر لغلبة النوم.
- الوجه الخامس والثلاثون: أن الشارع صلوات الله عليه نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أو يستام على سوم أخيه أو يبيع على بيع أخيه، وما ذاك إلا أنه ذريعة إلى التباغض والتعادي; فقياس هذا أنه لا يستأجر على إجارته ولا يخطب ولاية ولا منصبا على خطبته، وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى وقوع العداوة والبغضاء بينه وبين أخيه .
الوجه الخمسون: أنه نهى أن توصل صلاة بصلاة الجمعة حتى يتكلم أو يخرج لئلا يتخذ ذريعة إلى تغيير الفرض، وأن يزاد فيه ما ليس منه.
- الوجه السادس والثلاثون: أنه نهى أن يسمر بعد العشاء الآخرة إلا لمصل أو مسافر، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وما ذاك إلا لأن النوم قبلها ذريعة إلى تفويتها، والسمر بعدها ذريعة إلى تفويت قيام الليل، فإن عارضه مصلحة راجحة كالسمر في العلم ومصالح المسلمين لم يكره.
- الوجه السابع والثلاثون: أنه نهى الرجل أن يتخطى المسجد الذي يليه إلى غيره وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى هجر المسجد الذي يليه وإيحاش صدر الإمام وإن كان الإمام لا يتم الصلاة أو يرمى ببدعة أو يلعن بفجور فلا بأس بتخطيه إلى غيره.
- الوجه الثامن والثلاثون: أنه نهى الرجل بعد الأذان أن يخرج من المسجد حتى يصلي; لئلا يكون خروجه ذريعة إلى اشتغاله عن الصلاة جماعة كما قال عمار لرجل رآه قد خرج بعد الأذان: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم".
- الوجه التاسع والثلاثون: أنه نهى المرأة إذا خرجت إلى المسجد أن تتطيب أو تصيب بخورا، وذلك لأنه ذريعة إلى ميل الرجال وتشوفهم إليها، فإن رائحتها وزينتها وصورتها وإبداء محاسنها تدعو إليها; فأمرها أن تخرج تفلة، وأن لا تتطيب، كل ذلك سدا للذريعة وحماية عن المفسدة.
- الوجه الأربعون: أنه نهى أن تنعت المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها ولا يخفى أن ذلك سد للذريعة وحماية عن مفسدة وقوعها في قلبه وميله إليها بحضور صورتها في نفسه.
- الوجه الحادي والأربعون: أنه نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث، لأن ذلك ذريعة إلى حزنه وكسر قلبه وظنه السوء.
التسميات
فقه