الضعيف من يرى في أمثاله الضعفاءِ ظهيرا له والقويُّ من يأخذ من بيدره ليفرح به جيوبَ الآخرين

أي بُني:
ليس الضعيف من يشتد ذراعه بالأقوياء، إنَّما الضعيف من يرى في أمثاله الضعفاءِ ظهيراً له فهو قويٌّ بهم، وليس القويُّ من يرى في قوته بيدراً يجبى إليه حصاد الآخرين، بل القويُّ من يأخذ من بيدره، ليفرح به جيوبَ الآخرين، فاحم بيدرك بالصَّدقات، واحرس حصيدك بطيِّب العطاءِ، ولا تقبض يدك أو تبسطها، فينتقص أو ينتهب، وأنت في غمرة الفرح، واعلم أن الدنيا رهينةٌ عندك بما هي فيه، فإن أصبتَ منها فهو ما أصبت، وإن أعرضَتْ عنك فهو عليك لا منك ولا إليك.

أي بُني:
اعلم أن أدوم ما يكون الوصل في الناس، بتقوى الله ، وحسن الخلق، وصالح العمل، وأقطعُ ما يكون لما وصلتَ بذهاب التقوى، وشرِّ العمل وسوءِ الخلق، فلا تضنَّ على نفسك بإحسان لا يشق عليك بذله، ولا تُلْجِئْها إلى وهم أنك تعجز عن صنائع المعروف، فإن خيرَ الناس من يَحملُ في النائبات، وإن أعياه همُّهم، ويحرص على خيرهم وإن أثقله غِيُهم، ويرضى عن سيئهم ويكافئُ محسنهم وإن رابه أمرهم.

أي بُني:
إن من خير الناس، من تأْمنه على سرِّك لا يذيع، ويدنيك منه ويقدِّمك على نفسه بعزوفها عن شيءٍ وهو قريب منه وإن شقَّ عليه تركه، ويهديك إلى صوابٍ تصيبُ به حقاً، ويدفع عنك باطلاً، في غير منٍّ منه ولا أذىً، وينزلك من نفسه في أشرف منزلة بما يعلم فيك من خشية من الله تبدو عليك من أعمالك. ويردُّ عنك الألسن في غيبتك، ولا يرقب منك معروفاً ليكافيك، ولا يكافيك لتزيد من معروفك له، ولا يقبل عليك في رخاءٍ، ويدبر عنك في شدَّة، ولا يرصدك في خطأ ليذيعه، أو في صواب فيحبسه.

أي بُني:
إن من شرِّ الناس من يوافيك بزَّلتك فيعرض عنك، وبحسنتك فيقبل عليك، وخيرهم، من لا يرقب منك زلةً ولا حسنة، فتكون عنده الصاحب الودود، والشِّربَ المورود، والحبل المتين الممدود، وأصدقهم لك مودَّةً من لا يعدو عليك في سرٍّ، ويرد عنك في علانية، فيقول فيه الناس قولاً حسناً، ويذكرونه ذكراً جميلاً، وأضّلهم مودَّة عنك من يرى في نعمةٍ يصيبها منك مغنماً واجباً، وإذا مسّته منك ضراءُ خفيفة، جعلك غرضاً يُرمى، يثخنك بجراح سهامه.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال