حسبك من التوبة أن تستحضر ما كان من تقصير مدَ يوماً رواقه عليك.. لا تنتعل إلا جلود السباع العاديات ولا تطعم إلا من أجواف الكواسر الراعبات

أي بُني:
إن خيِّرت بين أن تشرب كأس المنيَّة مدهوقةً عزةً، وبين أن تشرب كأس الحياة يخالطها بعض يسيرٌ من الذِّلة، فاشفع الأولى منهما بثانيةٍ، وأنت مبتهجٌ جذلان، ومرِّغ جبهتك بالصخور الصلدة الخشنة في يسيرٍ من الطاعة، تلقى بها ربك إن أوثقتك المنيَّةُ إليها، واحذر أن تمسَّ ناعم الحرير في معصيةٍ، فينتهبك الموت وأنت في لذتها الماتعة، ولا تنتعل إلا جلود السباع العاديات، ولا تطعم إلا من أجواف الكواسر الراعبات، ولا تصحب إلا الصقور في قممها العاليات.
أي بُني:
حسبك من التوبة -وهي قريبةٌ منك، وليست بنائيةٍ عنك- أن تستحضر ما كان من تقصيرٍ مدَّ يوماً رواقه عليك، فغمَّ عليك ذنبك حتى توارى بدموعٍ ساخنةٍ سحَّت بها عيناك على وجنتيك، وأماطت الحوبة التي اقترفتها يدكَ، أو مشت إليها قدمُك، أو لقفتها أذنك، أو أبصرت بها عينُك، أو جاش بها صدرك، أو أطافتها نفسك من حولك، فلم يَعُدْ لشيءٍ مضى أن يعود على صاحبه إلا بِعبْرَةٍ بها، يفيد منها في يومه وغده، وما كان لأمر مرَّ وانقضى أن يثوبَ إلا بعظة تهديه إلى حال يأخذ منها أو يدع وهو موقن أنها ذاهبةٌ عنه. وليس يحسن بالمرء أن يُلِمَّ بفكرةٍ إلا ليبصر منها بحسنةٍ، أفلتت منه يوماً، لعلَّه أن يصيب أحسن منها.
أي بُني:
إذا أولجتك مصيبةٌ في بلاءٍ، فألن لها جنبك، حتى لا تكسر فيه فيعجزك، وأحسن البصر ما قنَّعك بالقليل، ورضَّاك بما أنت فيه، ونجَّاك من شرِّ نفسك، وباعد بينك وبين الإثم، وأدناك من المعروف، وصبَّرك عن الشهوات، وأماط عن قلبك الطمع، وحبَّب إليك الضعفاءِ، وكرَّه إليك صحبة العصاة والأشراف وأهل الكبر، وأقامك على الحق وإن كان صعباً مرَّاً، وأعجلك عن الباطل وإن بدا لك سهلاً حلواً.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال