الكبر لبوس السفهاءِ والتواضع لبوس العقلاءِ والكبر لا يليق إلا بالأراذل الجهلاء والتواضع لا يليق إلا بالنبلاء الشرفاء

أي بُني:
اعلم أن أهل القرآن هم أهل صُفَّة الرحمن، ينَعِّمهم الله فيها بالنظر إليهم غدوَّاً وعشيَّاً وحين يظهرون، فمن نازعهم فيها ليخرجهم منها، سلَّط الله عليه من لا يتَقيه فيه فيرديه، وما زال الناس في خيرٍ ما قدَّموا أهل القرآن، فلما أخَّروهم أخَّرهم الله، وأحلَّهم دار الهوان، فهل لهم أن ينجوا أنفسهم بكرامة أهل القرآن؟! فأهل القرآن هم أهل كرامة الرحمن.

أي بُني:
اعلم: أن الناس لا ينتقصون بالموت، بل بانتقاصهم في دينهم، والانتقاص في الدين لا يكون حين يأتي عليه كلِّه، بل يكون حين يبدأُ، والعاقل من يدَّاركُ دينه من قبل أن يكون انتقاص، فالله قد حفظ لنا الدين، فلا يكون منَّأ حيف عليه على غير ما أراد الله له سبحانه له، وانتقاص الدين كالدَّاءِ، يبدأُ قليلاً، ثم يتكاثر بإهماله، حتى يغرق من يصيبه، فيرى المنكر معروفاً، وغير مستنكر ولا مستبشع، ثم لينظر الأول ما كان من أمره بصبره على الانتقاص، وتركه يغدو ويروح فيه، من ظنٍّ حسن في نفسه، أنَّه لا يؤْذي غيره بانتقاصه الدين وصبره عليه، وغاب عنه أنَّ الشر لا يستطير إلا من البداية.

أي بُني:
اعلم أن الكبر لبوس السفهاءِ، يعرفون به فيجتنبهم العقلاءُ، والتواضع لبوس العقلاءِ، يعرفون به، فيصلح الله بهم السفهاء، وما رأيت متكبراً إلا والشر أقرب وأحبُّ إليه من الخير، وما رأيت متواضعاً إلا والخير أقرب وأحبُّ إليه من الشر، والكبر لا يليق إلا بالأراذل الجهلاء، والتواضع لا يليق إلا بالنبلاء الشرفاء، وما عرفت متواضعاً إلا والناس مجمعون على حبِّه ولو كان فاسقاً، وما عرفت متكبراً إلا والناس مجمعون على بغضه ولو كان فيما يبدو للناس تقيَّاً صالحاً، فكن من الكبر على حذر، ولا تعزف نفسك عن تواضع، فتصيبك ندامةٌ باغتةٌ جاسية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال