الإمبراطورية البريطانية.. التوسع التجاري أفضل من كسب مستعمرات جديدة من حيث أنه يكفي لضمان التفوق البريطاني في العالم

ظلت بريطانيا، بين منتصف القرن التاسع عشر وبداية الحرب العالمية الأولى، أول قوة إقتصادية واستعمارية في العالم رغم منافسة ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية لها مع نهاية القرن التاسع عشر، إقتصاديا.
وقد أخذت الإمبراطورية الإستعمارية تتوسع، ولكنها إستحالت، مع نهاية الحرب العالمية الأولى، إذا إستثنينا الهند، اتحادا لدومينيونات شبه مستقلة.
نتيجة لهيمنة الليبراليين على مقاليد السياسة في بريطانيا على الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ساد الإعتقاد بأن التوسع التجاري أفضل من كسب مستعمرات جديدة، من حيث أنه يكفي لضمان التفوق البريطاني في العالم، ومن جهة أخرى، من حيث كون المستعمرات تثير التنافس مع قوى أخرى وتتطلب إمكانيات بشرية واقتصادية وعسكرية كبيرة.
لقد أدى تنفيذ سياسة التجارة الحرة (إنتهاج طريق حرية التجارة) إلى تأكيد أسبقية الصناعة والتجارة في السياسة الإقتصادية على دعاة إستعمار مناطق جديدة.
وهكذا:
-  توقفت التوسعات البريطانية في أفغانستان، وخاصة مع وصول غلادستون Gladstone إلى السلطة عام 1880؛
- إعترف الإنجليز باستقلال الترانسفال Transvaal الذاتي؛
- ترك القائد غوردن باشا Charles George Gordon (1833-1885) يحارب لوحده في السودان (1885) ولم يقدم له أي سند إلى أن أهزمه المهدي (محمد أحمد بن عبد الله المهدي، الذي أسس دولة إسلامية تمتد من البحر الأحمر إلى وسط إفريقيا) فيها.
غير أن عوامل شتى، فتحت من جديد شهية الإنجليز لاحتلال المزيد من الأراضي، ومنها:
- رغم كونها أول وأكبر قوة إقتصادية واستعمارية في العالم بين منتصف القرن التاسع عشر ومطلع الحرب العالمية الأولى، إلا أن بريطانيا بدأت تتخوف من بروز قوى إقتصادية جديدة في العالم كالولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، ومن ثمة فإنها أخذت تعمل من أجل الحفاظ على مكانتها.
- وصول سياسيين جدد إلى أعلى هرم السلطة السياسية البريطانية، من أولئك الذين يدعون إلى تفعيل حركة الإستعمار من جديد، أمثال وزير المستعمرات تشامبرلين Chamberlain، الذي كان يلح على أهمية العوامل الإقتصادية في السياسة الإستعمارية، ووزير المالية والوزير الأول غلادستون Gladstone، الذي كان يعتقد أن الله وهبه لبريطانيا لكي يعمل على تقدمها فتحمل مسؤولية إحتلال مصر (1882)، وديسرائيلي Disraeli (الوزير الأول بين 1874-1880 وأشهر رواد التوسع الإمبريالي البريطاني)، الذي عمل على الإبقاء على "البريستيج" البريطاني أمام الأمم الأخرى، مثلما يؤكد ذلك قراره بإعلان الملكة فيكتوريا Victoria إمبراطورة على الهند عام 1877، فضلا عن شرائه للأسهم المصرية في قناة السويس (1875).
كما ظهر في هذه الأثناء شعراء ومفكرون من دعاة الإستعمار، من أمثال كيبلينغ Kipling، أو مبرريه الذين سعوا لتكييف نظرية التطور مع الحركة التوسعية.
- أدى فقدانها لأهم مستعمراتها الإستيطانية نيوإنغلند Angleterre Nouvelle (أهم مستعمراتها الإستيطانية في ما يعرف حاليا بالولايات المتحدة الأمريكية) إلى تخوفها من إنتشار عدوى التحرر في باقي مستعمراتها، ولذلك فإنها عملت على صياغة نظام خاص عرف بالدومينيون، طبق في البداية (1867) في كندا ثم في باقي مستعمراتها الإستيطانية (أستراليا 1900، زيلندا الجديدة 1907، إتحاد جنوب إفريقيا 1909 وكندا Terre-Neuve).
- خلق حزام أمني للؤلؤة تاجها، الهند، في زمن إشتد فيه التنافس على كل قابل للإستعمارColonisable  إلى أن صار العالم كله خاضعا للهيمنة الأوروبية مطلع القرن العشرين، باستثناء إثيوبيا واليابان، حيث تم إحتلال 88,9 % من إفريقيا مثلا عام 1900، بعدما كانت 10,5  % فقط محتلة قبل ذلك بـربع قرن.
وهكذا قامت بريطانيا بــ:
- الهيمنة على المناطق المجاورة للهند (ما يشبه منطقة عازلة من محميات برمانيا 1885، ماليزيا 1895، شمال بورنيو، فضلا عن الوجود البريطاني في المنطقة الحدودية لأفغانستان).
- الاستيلاء على جزء من برمانيا، بين 1826-1852، ثم الإستيلاء على الباقي عام 1885، على أمل ربطها بمقاطعة يونان الصينية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال