الفقيه ليس هو بالذي يحفظ النصوص ولكنه هو الذي يستخرج منها الأحكام والفوائد

أي بُني:
ما رأيت أمنع للعلم من العربية، ولا أصون له من الإخلاص، ولا أمتع به من العمل، ولا أبقى له من المدارسة، ولا أروح للنفس فيه من استحضار مسائله، ولا أشوق للتزوُّد به من رؤْية آثاره في الناس، والأرفع في الناس قدراً من أهله، ولا أجمع للخير من الإقبال والحرص عليه، ولا أضلَّ ممن يتَّخذ إليه سبيلاً غير سبيله، وأيسر سبيل إليه أن تصونه بالإخلاص والعمل، وإياك أن تهجر بقولٍ فلربما كان به غصَّة، إذاً: فليس خيراً من أن تضع طرف لسانك على لهاتك، فإن تقضي مُمسكاً عليك لسانك، خير من أن تموت وأنت تحركه بكلمة تؤْذي به إخوانك. واعلم -رعاك الله- أن العاقل من يعرف مواقع عقله ولسانه، فلا يقع على واحد منها إلا وهو آمن على عقله أن يغتال، وعلى لسانه أن يقطع.
أي بُني:
اعلم: أن العالم هو الذي يعلم المسألة من مسائل العلم، فيكون عقله حافظاً لها، ولسانه قائلاً بها، وجوارحه عاملةٌ بها، وسمته داعياً لها. واعلم: أن الفقيه ليس هو بالذي يحفظ النصوص، فكم من حافظ لها هو أجهل الناس، لكن الفقيه هو الذي يستخرج منها الأحكام والفوائد، وهي معروضةٌ أمام عقله وناظريه، يأخذ منها للناس أكثر مما يأخذ الناس منها، فإن وافق الحقَّ وأصابه فذاك، وإلا فقد أوفر لنفسه أجراً عند ربه سبحانه.
أي بُني:
اعلم أن اللسان أمةٌ وافرةُ العَدَد، كثيرة العُدَد، يشرف بها
إمامُها وهو العقل، ويعزُّ بها اللائذ بها وهو العييُّ، ويسمو بها دانيها وهو الحائر، وينجو بها حسيرُها وهو المتأخِّر، ويشتد بها ضعيفها وهو الحَييُّ، فانظر أي بُني أعزك الله ، من تكون في أُمة اللسان، ومن ستكون مع من أسلمته قيادك. واعلم رعاك الله أن الصبر والجزع طرفان يفصل بينهما حاجزٌ، فإلى أيهما كنت فقد سقط الحاجز، لكن إن كنت إلى الجزع أدنى، فاستذكر قول الله سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب}. وإن كنت إلى الصبر أقرب والجزع -منك حينئذٍ- كفٌّ ممسكةٌ بعنان الصبر، فهو نعمة أفاءَ الله بها عليك وجمَّلك بها.
واعلم يا رعاك الله ، أن أصدق الشوق وأصفاه وألذَّه ما يُفرح بالقرب، ويُحزن بالبعد، واعلم أن النجاح معقودٌ بأربعة: الإخلاص في التصور، والأمانة في الأداءِ، والإتقان في العمل، وإيثار أمر الجماعة على أمر الفرد.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال