صراع الحضارات.. رؤية هنتنجتون للحضارة الغربية وتصنيفها استنادًا إلى معياري الجغرافيا والدين فقط

تنطوي الرؤية الهنتنجتونية هذه للعالم المعاصر على قدر هائل من التلفيق العلمى و (لَي) عنق التاريخ.
ولعل التلفيق الأكبر يكمن فى تجاهله للدول والمؤسسات السياسية، رغم الدور المحوري الذى تلعبه الدولة- سواء امبراطوريات الأسر القديمة أو الدولة القومية الحديثة- فى قيام أية حضارة، فالغرب عنده هو كتلة واحدة متجانسة، رغم الاختلافات الشديدة بين أمريكا من جهة والدول الغربية من جهة أخرى.
والحضارة الإسلامية كذلك كتلة واحدة وليست دولاً وشعوبًا وقوميات مختلفة، سواء كان ذلك فى ذورة قوتها ومجدها (عندما كانت حضارة عربية) إبان العصرين الأموى والعباسي، أو كان ذلك فى ظل الخلافة العثمانية التى فرضت هيمنتها على جزء كبير من العالم القديم، أو حتى فى العصر الراهن، الذى تعاني فيه الدول الإسلامية من أقصى درجات الفقر والضعف الاقتصادى والسياسى والعسكرى والعلمى، ناهيك عن التفكك فيما بينها.
ومن المعروف أنه لا يمكن لأى حضارة أن تقوم دون وجود مركز -الدولة- قوي اقتصاديًا وعلميًا وعسكريًا يقوم بدور الحاضن لها. ووفقًا لهذه الرؤية، كانت الدولة العثمانية آخر مركز قوى -على الأقل عسكريًا- للحضارة الإسلامية.
وفى ظل الوضع العالمى الراهن والتوازنات الإقليمية والدولية السياسية والاقتصادية والعسكرية، لا يمكن لأية دولة إسلامية كبيرة نسبيًا (إيران، مصر، أندونيسيا، باكستان، تركيا)، أن تقوم بدور (الدولة المركز) التي يمكن لها أن تقود هذه الحضارة الإسلامية المعاصرة -المزعومة- فى مواجهتها للحضارة الغربية -المزعومة أيضًا- أو أية حضارة هامشية أخرى.
أما التلفيق الأكبر الذى لجأ إليه هنتنجتون فهو رؤيته للحضارة الغربية ذاتها التى يصنفها استنادًا إلى معياري الجغرافيا والدين فقط.
هذا التلفيق الهنتنجتونى يتعلق بجوهر الحضارة الغربية ذاته.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال