أي بُني:
اتخذ الصبر درعاً تقيك، وتدفع عنك أذى مبغضيك، فإن أرادك أحدٌ بسوءٍ، فبسط به يده إليك لم يصل إلى عبوس فيك، وإن أرادك أحدٌ بخير فلم ينفذ إليه، فاحسنْ إليه بأحسنَ مما كان سينالك منه لو كان له نفاذ إليه، ولا تجعل يدك مغلولةً عن معروفٍ مهما صغر، وإياكَ أن تجعل من إساءَةِ من أحسنت إليه حائلاً بينك وبين تضعيف الإحسان إليه، واعلم أي بُني أن النادم على معروفٍ يبذله لا يستأْهل حتى أن يكون حاضراً في قلبه فيذكره، والنَّاسي أنه صانع معروف هو أهله الذي يردُّ إليه عند الحاجة إليه.
أي بُني:
اعلم أنَّ الجعلان لا تعيش إلا في السباطات، ولا تكبر وتنمو إلا في القاذورات والنتن، وأن النَّحل لا تحط إلا على الأزهار والورود، فكن مع النحل في البحث عن رحيق الزهر، وإياك أن تُمِرَّ ذِهْنَك بالجعلان، والتمس لأهل الحق والصدق عذراً باساءَتهم إليك، وأما أهل السَّفاهة وظعائن الأهواءِ، فأحسن ما يكون لك الإعراض عنهم، ونبذهم من وراءِ ظهرك، ولا تمنن على نفسك بأنك صبرت على الأذى والقذى، فلرب يومٍ يمر بك ترى أنك في حاجة إلى من يصبر عليك، كحاجتك إلى الهواءِ إذ يضيق بك صدرك أو كحاجتك إلى الماءِ حين يشتد بك الظمأ، أو كحاجتك إلى رغيف الخبز حين يستبدُّ بك الجوع.
أي بُني:
إن كنت عاقلاً، فلا تجعل في نفسك فرقاً بين من عظمت جثَّته بأكلٍ وشربٍ وكبر مقطَّع، وبين بعوضةٍ عظُم جرمها بمص الدماءِ.
وليس في الناس أسوأ ممن يرى في صنيعك الخير معروفاً، غيرك أحق بأن يكافأ عليه، فإذا سألته: لماذا كان منك هذا، قال: لئلا يفوتني خير أرجوه منه، ونسي المسكين أنه قد لا يأتيه معروف إلا ممن أسلف له المعروف، وكن دائماً باسطاً يدك به، ولا تعجل على نفسك بالملالة، فإن قطار الموت دائب الحركة والسفر، فلعلك تصعد إليه في سفر لا تؤوب منه، واذكر نعمة الله عليك، إذ كنت فقيراً فأغناك الله، وكنت ضعيفاً فقوَّاك الله، وكنت محروماً فأعطاك الله ، فإياك إياك أي بُني والبخل عن نفسك، وتصدَّق بالمعروف على من هو أهلٌ، وعلى من ليس بأهل، فإن وافق معروفُك أهلَه فهو أهلُه، وإلا فأنت أهله وأهلُه وأهلُه.
التسميات
شباب