الميتامسرح والتراجيديا.. التراجيديا رؤية للعالم مجسدة في شكل درامي والمسرح الغربي عاجز عن الاعتقاد في حقيقة الشخصية التي فقدت وعيها الذاتي

لقد استأثرت التراجيديا باهتمام الدارسين المعاصرين من زوايا مختلفة: فلسفية، جمالية، شعرية وأنثربولوجية.

ولعل العودة إلى البعض منهم تجعلنا نقف على تمييز أساسي يبدد الالتباس الحاصل بين التراجيديا ومفهوم التراجيدي Tragique، حيث تعبر الأولى عن نوع درامي له تاريخه الذي ينحدر من المسرح اليوناني، بينما يحيل الثاني على إحساس أو مظهر حياتي يومي.

وتتمثل العلاقة بين الاثنين في قدرة التراجيدي كإحساس يومي على تغيير مفهوم التراجيديا كنوع، كما هو الشأن في العالم المعاصر حسب تصور سارازاك.

 ولعل هذا التمييز هو الذي جعل جورج ستاينر يؤكد "أن كل الناس يعرفون ما هي التراجيديا في الحياة، إلا أن التراجيديا باعتبارها شكلا دراميا ليست مقولة كونية.

فالفن الشرقي يعرف العنف، الألم، الكارثة الطبيعية أو المحدثة عن قصد؛ والمسرح الياباني مليء بالحركة العنيفة وبالموت الاحتفالي، إلا أن هذا التصوير للمعاناة والبطولة الشخصيتين الذي نسميه مسرحا تراجيديا، خاص بالتقليد الغربي".

 لا يهمنا هنا الوقوف عند المنظور المركزي الغربي الذي عالج به ستاينر المسألة، فتلك إشكالية أخرى ليس هذا مجالها، إنما الذي يهمنا هو كون التراجيديا رؤية للعالم مجسدة في شكل درامي، ولعل هذا التصور هو الذي بنى عليه أبيل التقابل الذي يقيمه بين المسرح والتراجيديا. ف"موت التراجيديا" أصبحت بالنسبة إليه مسلمة حاول البحث عن سندها الفلسفي والجمالي في المسرح الحديث، وذلك ليثبت أن الميتامسرح أصبح هو المقولة الملائمة لتعويض موت التراجيديا.

فالحياة حلم (كالدرون) والعالم مسرح (شكسبير) صيغتان تترجمان تصورا إزاء العالم يجد تعبيره الجمالي في الميتامسرح وليس في التراجيديا.

وذلك لأن هذه الأخيرة تقوم على غياب الوعي الذاتي لدى البطل مما يجعله يقع في المصير المرسوم له الذي لا يمكن تداركه (التراجيديا غير قابلة للإصلاح Irréparable، يقول ستاينر)، كما تقوم على قبول بعض القيم باعتبارها حقيقة وعلى التعامل مع الواقع ككيان قائم له بنياته المستقلة عن الإنسان.

 هاتان القاعدتان تتناقضان مع ما نجده في الميتامسرح الذي يقوم على التأملية والوعي الذاتي، وذلك لأن "المسرح الغربي عاجز عن الاعتقاد في حقيقة الشخصية التي فقدت وعيها الذاتي"، ولأن "المتخيل الغربي أصبح الآن في مجمله ليبراليا وتشكيكيا، ويتجه نحو النظر إلى كل القيم المؤسسة باعتبارها قيما خاطئة".

لذا، فلا عجب أن يصبح العالم وهما أو حلما أو مسرحا وليس حقيقة.
 إن هذا المنظور الذي دافع عنه أبيل تحكمه منطلقات ميتافيزيقية أكثر مما تعنيه القوالب الجمالية.

والحال أن مراجعة العديد من الأعمال التراجيديا تكشف أن أصحابها معنيون بقضايا مسرحهم ومهتموم بخلق أشكال من المضاعفة المسرحية.

ويبدو أن النموذج الذي يقع عليه الإجماع بين العديد من الدارسين في هذا الإطار، هو "هاملت" لشكسبير.

هذه المسرحية التي سنكرس لها وقفة خاصة لنكشف من خلالها كيف يتجسد الميتامسرح داخل التراجيديا باعتبارها تندرج ضمن ما يسمى بالنوع الجاد.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال