إن العوامل التي تدعو الكتاب والأدباء إلى كتابة سيرهم الشخصية عديدة فهي تعتبر عموما قولا قاطعا يتعلق بمسيرة حياة كاملة أو ردا غير مباشر على آراء جدالية تعرض لها الكاتب في حياته أو موقفا تجاه قضايا تخص الوجود أو المجتمع أو السياسة وإذا كان الكاتب، صاحب السيرة الشخصية يشعر بوقع الزمن الذي يهدده ويعرّض مشروعه للتلاشي في مرحلة ما من مراحل الحياة، فإنه قد يجد في تأليف ترجمته الشخصية الفضاء الأوسع لقطع موافقه تجاه حياته والمناخ الثقافي والاجتماعي الذي يعيش فيه.
وتستدعي السيرة الشخصية لكاتبها اللذة الفنية الفريدة في فعل الكتابة نفسه، وقد يجد الكتاب والمبدعون عندما ينغمون في فعل الكتابة ضربا من اللذة الذاتية ولكن هذه اللذة الفنية تبلغ أقصاها في كتابة السيرة الشخصية، ذلك لأن كاتب الترجمة الشخصية يتلذذ باستحضار الذكريات السعيدة التي عاشها.[1]
ولقد عبّر كتاب السير الذاتية في الأدب العربي عن هذه اللذة الفنية الفريدة التي عاشوها وهم يكتبون سيرهم الذاتية، فيقول محمد شكري في بداية سيرته الذاتية المعنونة بـ"الخبز الحافي" ها أنا أعود لأجوس، كالسائر نائما، عبر الأزفة والذكريات عبرما خططته عن حياتي "الماضية ـ الحاضرة" كلمات واستيهامات وندوب لايلئمها القول، أين عمري من هذا النسيج الكلامي؟
لكن عبير الأماسي والليالي المكتظة بالتوجس واندفاع المغامرة يتسلل إلى داخلتي ليعيد رماد الجمرات غلالة شفافة أسيرة.[2]
وكذلك ورد في إحدى المجلات الثقافية عن محمد شكري هذا التصريح: "لماذا أتحدث عن جمال الآخر وأنا جميل، أنا نرسيسي أنا أجمل من التي لاتحبني أنا قوي وشاب "وبعد ذلك ينهض محمد شكري ويتوجه نحو طاولة مجاورة ويضع عليها كرسيا، ويقفز فوق الكرسي بطريقة بهلوانية ثم يعود إلى مكانه ويقول: "لماذا أتكلم عن جمال أملكه أنا نفسي، عندما نحب الآخرين، نحب أنفسنا في الآخرين، أنا الذي يمنح الجمال للآخرين، ولن أمنحه بعد اليوم، لأن في ذلك الكثير من الخبث والمراوغة، وأنا أحب نفسي فقط أنا الوجه والمرآة في آن".[3]
وهكذا تكتسب السيرة الذاتية قيمتها من وعي الكاتب نفسه بأهميتها، فالحياة التي ترويها والتي عاشها صاحبها يجب أن تكون جديرة بأن تروى، فما من حياة شخصية تروي عاشها كاتبها عبثا وعلى هذا النحو يعبر الإنسان عن معنى وجوده فيقول جورج ماي (Georges May): إن السيرة الذاتية "تنشأ من رغبة الكاتب في استعادة مسار حياته ليدركه وليهنا باله بما ينتهي إليه من نتائج تطمئنه إلى أنه رغم الحوادث والتناقض والفشل والنكوص على الأعقاب والتردد والتنكّر، لايزال كما كان وأن الهوية الأثيرة للأنا لم يمسسها سوء".[4]
هذه هي العوامل و الدوافع الذاتية وراء كتابة السير والتراجم فهي بمثابة دوافع توفر الأساس والبنيان لكاتب السيرة الذاتية، فالإحساس الحاد بالزمن واللذة الفنية هي كلها عوامل وأسباب قد تجتمع معا وقد تغيب بعضها ويحضر بعضها الآخر.
[1]- Time in Autobiography, By Burton Pike , Page:326-329.
[2]- "الخبز الحافي" للأستاذ محمد شكري، ص:7.
[3]- المجلة السبع. الصادرة من السعودية العربية، ص: 33.
[4]- L Autobiographie, by Georges May, التعريب باسم: (السيرة الذاتية)، بقلم عبد الله صولة ومحمد القاضي، ص:63-64.
التسميات
سيرة