الرأسمالية والأزمات المزمنة.. تدهور معدلات الربح واغتصاب الاحتكارات الجديدة جزءاً من إجمالي فائض القيمة الناتج من استغلال العمال

ربما يكون الانهيار المالي في سبتمبر 2008 قد فاجأ الاقتصاديين التقليديين "للعولمة السعيدة"، وأربك بعض مخترعي خطاب العولمة المنتصرة منذ "سقوط جدار برلين"، كما يقولون، لكنه لم يفاجئنا نحن.

فقد كنا ننتظر وقوعه – دون التنبؤ بتاريخ محدد على طريقة المنجمين – لأنه ببساطة يدخل ضمن تطور الأزمة الطويلة الأمد للرأسمالية الشائخة التي بدأت منذ أوائل سبعينات الفرن الماضي.

ومن المفيد العودة لأزمة الرأسمالية الطويلة في القرن العشرين، فالتشابه بين مراحل تطور هاتين الأزمتين مثير للعجب.

دخلت الرأسمالية الصناعية المنتصرة للقرن التاسع عشر في أزمة ابتداءً من عام 1873، فقد تدهورت معدلات الربح للأسباب التي أوضحها ماركس.

وكان رد فعل رأس المال القيام بحركة مزدوجة للتركيز، وللتوسع المعولم.
فقد اغتصبت الاحتكارات الجديدة لنفسها جزءاً من إجمالي فائض القيمة الناتج من استغلال العمال، كما أسرعت في استكمال الغزو الاستعماري لكوكب الأرض.

وسمحت هذه التحولات الهيكلية بقفزة جديدة للأرباح، وبدأت "المرحلة السعيدة" - من 1890 وحتى 1914 - للسيادة المعولمة لرأسمال الاحتكارات المالية.

وامتدح الخطاب السائد للمرحلة الاستعمار (بالحديث عن "المهمة الحضارية")، ووصف العولمة بأنها مرادفة للسلام، وانضمت أحزاب الاشتراكية الديمقراطية العمالية لهذا الخطاب.

ومع ذلك فقد انتهت "المرحلة السعيدة" التي اعتبرها أغلب المفكرين المرموقين في ذلك الوقت "نهاية التاريخ" بالحرب العالمية الأولى، وكان "لينين" وحده الذي توقع ذلك.

وكانت المرحلة التالية التي استمرت حتى غداة الحرب العالمية الثانية، مرحلة "الحروب والثورات".
وبعد عزل الثورة الروسية ("الحلقة الضعيفة" للنظام) في عام 1920.

وبعد هزيمة الآمال في الثورة في أوروبا الوسطى، أعاد رأس المال المالي نظام "المرحلة السعيدة" رغم كل الاعتبارات.
وأدت هذه الإعادة للانهيار المالي لعام 1929، والكساد الذي ترتب عليه واستمر حتى الحرب العالمية الثانية.

وهكذا "فالقرن العشرون الطويل" - 1873 ـ 1990 - هو قرن ظهور أزمة النظام العميقة الأولى للرأسمالية الشائخة (لدرجة أن لينين اعتبر أن رأسمالية الاحتكارات هي "المرحلة العليا" للرأسمالية)، وكذلك قرن الموجة الأولى المنتصرة للثورات ضد الرأسمالية (في روسيا والصين)، والحركات المعادية للإمبريالية لشعوب آسيا وأفريقيا.

وبدأت أزمة النظام العميقة الثانية في عام 1971، مع تخلي الولايات المتحدة عن قاعدة الذهب لتحويل الدولار، أي بعد قرن كامل تقريباً من بداية الأزمة الأولى.

وهبطت معدلات الأرباح والاستثمار والنمو (ولم تعد أبداً لقيمتها في السنوات 1945/1975).
ورد رأس للمال على التحدي كما في الأزمة السابقة، بحركة مزدوجة للتركيز والعولمة، وهكذا أقام هياكل "المرحلة السعيدة" الثانية (1990/2008) للعولمة المالية التي تسمح للمجموعات الاحتكارية بتحقيق الريع الاحتكاري. واستمعنا للخطاب القديم مرة أخرى:

فالسوق هو الذي يضمن الرواج والديمقراطية والسلام؛ إنها "نهاية التاريخ".
وانضم اشتراكيو أوروبا كما في السابق للبرالية الجديدة.

ومع ذلك فقد ارتبطت هذه "المرحلة السعيدة" الجديدة منذ بدايتها بالحرب، وهي حرب الشمال ضد الجنوب المعلنة منذ عام 1990.

وكما أدت العولمة المالية الأولى إلى 1929، أدت نظيرتها الثانية إلى 2008.
ونحن الآن على شفا لحظة حرجة من الزمان قد تكون الفاتحة لموجة جديدة من "الحروب والثورات"، خاصة والسلطات القائمة لا تفكر إلا في إعادة النظام إلى ما كان عليه قبل الانهيار المالي.

والتشابه بين تطور هاتين الأزمتين الطويلتين للنظام الرأسمالي الشائخ ملفت للأنظار، ولكن هناك مع ذلك اختلافات لها أهمية سياسية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال