ينبغي التذكير هنا بأن كتاب "الميتامسرح: نظرة جديدة للشكل الدرامي Metatheatre: A New view of Dramatic form" لليونيل أبيل Lionel Abel، الذي ظهر في نيويورك سنة 1963هو الذي يعود إليه الفضل في إثارة الإنتباه إلى ظاهرة الميتامسرح وجعلها موضوعا للتأمل النقدي.
يتناول أبيل، في هذا الكتاب الريادي، الدراما الحديثة (ممثلة في بريشت، بيكيت، جينيه...) انطلاقا من فرضية تستعيد موقف جورج ستاينرGeorges Steiner القائل ب "موت التراجيديا"، وتؤكد على ضرورة إقامة تعارض بين الميتامسرح والتراجيديا.
وبغض النظر عن اعتماد الأعمال التي يتناولها بالدرس تقنية المسرح داخل المسرح كشكل ميتامسرحي، فإن الأهم بالنسبة إليه، هو كونها تتميز "بخاصية مشتركة هي: كلها مسرحيات حول الحياة باعتبارها ممسرحة سلفا".
ولعل ما يقصده بهذا القول هو أن الشخصيات التي تتحرك ضمن متخيل هذه المسرحيات هي شخصيات مسرحية بالأصل، أي قبل أن تنتقل إلى عالم الخشبة.
وإن ما يجعلها كذلك هو انتماؤها إلى الخرافة أو الأسطورة أو الأدب القديم من جهة، أو طبيعتها الذاتية من جهة أخرى. لذا، فهي - في نظر أبيل - "تقدم للكاتب المسرحي أثر المتخيل الدرامي قبل أن يبدأ هو بممارسة أثره الخاص، كما أنها واعية من جهة أخرى - بخلاف شخصيات التراجيديا - بتمسرحها الخاص".
وهذا الوعي هو الذي يؤطر الحدث في الأعمال الميتامسرحية، لأنه مفكر فيه ونابع من متخيل خاضع للمراقبة الذاتية.
إن هذه الخصائص المتمثلة في وجود شخصيات ممسرحة سلفا وواعية بتمسرحها، وأحداث مفكر فيها خلال عرضها، هي التي تميزالأعمال الدرامية الحديثة التي يقول عنها أبيل: "أسميها ميتامسـرحيات Metaplays، أي أعمالا مـن الميتامسرح".
إن هذه الأعمال الدرامية التي أفرزها العالم الجديد تمتد أصولها إلى بعض الأعمال الكلاسيكية التي عكست باعتمادها تقنية المسرح داخل المسرح منظورا فلسفيا متميزا.
ويتعلق الأمر بالخصوص - في نظر أبيل - بمسرحية شكسبيرية من قبيل "حلم ليلة صيفية" أو "العاصفة"، وبمسرحية كالدرون "الحياة حلم".
فالأعمال الميتامسرحية تستعيد الكروتسك Grotesque الشكسبيري والباروك Baroque الكالدروني، وذلك من خلال التأكيد على منظور فلسفي يقوم على مفهومين أساسيين هما:
1- العالم مسرح The world’s a stage.
2- الحياة حلم Life is a dream.
من ثم، فإن كل محاولة لمسرحة العالم والحياة هي، في الواقع، مسرحة لمسرح قائم سلفا فيهما.
لذا، فالمسرح الحديث كله عبارة عن ميتامسرح.
وهذا الشكل هو الإعلان الفعلي عن نهاية التراجيديا "باعتبارها نوعا ينتمي إلى الماضي، ومستحيلا في عالمنا الحديث".
إن الميتامسرح، إذن، شكل درامي يترجم رؤية للعالم تقوم على تنسيب القيم التي يخلقها الإنسان وفق ما تمليه الشروط المحيطة به. لذا، فإن القيم المطلقة التي تقوم عليها التراجيديا تصبح غير صالحة في عالم متغير يخلق أشكالا جديدة للتعبير عن نفسه.
إن أبيل الذي ينطلق من تصور مفاده أن "الأشكال الدرامية تنبثق وتستمد حياتها من القيم الهامة خارج الدراما"، ينخرط، نقديا، في التيار الذي يؤمن بتاريخية الأشكال؛ وهو الذي تجسده أسماء أخرى كبيتر زوندي الذي انطلق من النظرية التاريخية الجدلية ليؤكد أن "مسيرة الفن لا تحددها الأفكار بقدر ما يحددها تطور أشكالها. فقد انتزع كتاب المسرح من موضوع الحاضر المتبدل عالما جديدا من الأشكال".
ولعل هذا التصور نفسه هو الذي تقوم عليه دراسة سارازاك للدراما الحديثة التي يؤكد فيها: أن تعقد العلاقات الإنسانية والاجتماعية لعصرنا، لا يمكن حصرها في المسرح إلا "بمساعدة الشكل".
إن هذا المنظور الذي يقوم على تاريخية الشكل الدرامي مهم جدا لأنه يجعلنا ننظر إلى الميتامسرح، ليس كإجراء شكلي وحسب، وإنما كتجسيد لنظام القيم والعلاقات في عالم متحول ونسبي.
ولعل الدرس الذي نستخلصه من تصورأبيل هو اعتبار الميتامسرح شكلا دراميا من جهة، ورؤية للعالم من جهة ثانية، مما يسمح لنا بإدماج بعد "التأويل" في شعرية الميتامسرح التي ننوي إقامتها.
التسميات
مرتجلات ميتامسرحية