الرؤية والرؤيا والقيم الجمالية في مجموعة (يا فدى ناظريك) لغازي القصيبي.. رؤية الوجود من خلال الذات

لايمكن قراءة مجموعة ( يافدى ناظريك ) للشاعر غازي القصيبي خارج الإطار الموضوعي الذي تنحازُ إليه أو تتحرّك ضمنه.

تنتمي المجموعة بامتياز إلى التيار الرومانسي الذي انتعش خلال فترة ما بين الحربين على أيدي شعراء مثل أبي القاسم الشابي وعمر أبو ريشة وعبدالسلام عيون السود.

ويتجلّى المبدأ الفلسفي الذي ارتكز عليه هذا التيار - بأشكاله المختلفة - من خلال الاحتفاء الشديد بالفرد، وتأكيد أولويته بالنسبة إلى المجموع، ويمكن اختزال ذلك بالمقولة التالية: (رؤية الوجود من خلال الذات).

إن البدء من الذات يُلغي الواقع بطريقة ما، وإن كون الواقع ممتلئاً بالتناقض يزيد من بشاعته.
وباعتبار أن الواقع ليس مصدر ثقة تتجه الأذهان إلى مصدر آخر للإبداع.

وقد تجلّى في شعر هؤلاء في المبالغة في شيئين العاطفة والخيال.
وبما أن الواقع أقوى من الفرد، فالعلاقة بينهما غير متكافئة، وعلاقة الشاعر به هي علاقة صدامية، ولأنها كذلك كـان الشاعر في التيار الرومانسي كثير الشكوى والألم.

ولعل هذا مايسوّغ هيمنة المناخ التراجيدي على شعرهم مقارنةً بالقيم الجمالية الأخرى: الجميل والقبيح والكوميدي والجليل والسامي والرفيع، وكذلك هربهم المستمر إلى الطبيعة، ولعلهم بهذا يُجرون نوعاً مـن التوازن الذي افتقدوه في الواقع.

وقد تميّزت الصورة الفنية - بناء على ذلك - في هـذا التيار (بالفردية والاهتمام باللامألوف والغرابة)، و(الاهتمام بعناصر الطبيعة)، و(الصدام مع الواقع)، و(القلق والاغتراب)، و(الشعور الدائم بالهزيمة)، و(الخصوبة المتميزة في اللغة والتراكيب)، و(التنامي الداخلي من خلال تأكيد الوحدة العضوية)، و(المبالغة الوجدانية)، و(الحلم).

وبالارتكاز على هذه العناصر تُغلِّبُ الصورةُ في هذا التيار الذاتَ على الموضوع، وتغلّب العاطفة على الفكر واللاشعور، ويأخذ الخيال الدور البارز في تشكيلها، وفي استحضار الكلمات، وبناء الحالات المختلفة.

وتنطلق - بنـاء على ذلك - القيمُ الجمالية من الفرد وإليه، وكذلك النماذج المصاغة فنياً، وأساليب التعميم.
ولعل كل ما ذكرناه آنفاً يشكّل مجتمِعاً (الوعي الجمالي الرومانسي)، هذا الوعي الذي صاغ من خلاله الرومانسيون رؤيتهم للعالم ورؤاهم. 

لا أريد أن أحكم على مجموعة غازي القصيبي من خلال المقولات الجاهزة السالفة الذكر.
ولكني أردت أن أجدَ مدخلاً موضوعياً لقراءة هذا النمط من الشعر، وللمناخ الفني الذي تتحرّك فيه المجموعة، لكي يتسنى لي تفسير كثيرٍ من القضايا التي ستتناولها المجموعة وتعبّر عنها.

وأريد أن أستبق الأمور لأشير إلى أن المجموعة تتضمن مستويين متفاوتين من التعبير والتلقّي، أولهما ضعيف وتهبط فيه (الشعرية) إلى أدنى مستوياتها، ويبدو ذلك في (حقل الرؤية)، وثانيهما تتحقّق فيه (الشعرية) في أعلى مستوياتها، ويبدو ذلك في (حقل الرؤيا).

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال