التمييز بين الرواية والقصة.. السارد في القصة ينظم الأحداث وفقا لمخطط سببي وزمني والروائي إعادة الشعور بكثافة الأحداث والتباس البطل

يقع مقال ميشيل رايمون "بصدد التمييز بين الرواية والقصة " المترجم عن الفرنسية la craise du roman des les lendemains du naturalisme aux années 3é tirage librairie josé corti. Paris, 1968, p150-155 من مجلة  «communication» ضمن كتاب طرائق تحليل السرد الأدبي دراسات عن منشورات اتحاد كتاب المغرب، سلسلة 1992/1، الرباط،1992 الذي يضم عشر مقالات.

وقد سبق أن نشر بمجلة آفاق،عدد مزدوج،8.9/1988.في حدود خمس صفحات من الحجم المتوسط ترجمت من طرف حسن البحراي، من الصفحة 177 إلى الصفحة 181 وقد جاء المقال مرتبا في المرتبة التاسعة من الكتاب الذي قام بتقديمه عبد الحميد عقار بعد كل من مقالات رولان بارت ومقال تزفطان تودوروف وجرار جنيت (...).

ويتبع مقال ميشيل رايمون مقالين لكل من أ . ج . غريماس وفلاديمير كريزنسكي ليكون المقال بذلك إحدى المشاريع البنيوية السردية الفرنسية التي أثثت كتاب "طرائق تحليل السرد" وهذا ما طمح إليه عبد الحميد عقار في تقديمه للمؤلف على اعتباره ما للترجمة وأهميتها، وكذلك الحاجة الماسة للمعرفة بالنظريات السردية البنيوية والسميائية المسهمة في قراءة النصوص قراءة نقدية فاحصة، وهكذا اعتبر الترجمة مساعدة في الحد من سلطة تحاصر الفئة التي تقرأ بلغة واحدة وهي ليست مسؤولة عن ذلك.

وبالعودة إلى المقال، يلاحظ أنه غير مذيل بهوامش ولا تجزؤه عناوين فرعية مع اعتماده على لغة علمية نقدية بسيطة تؤكد إشارته الأجناسية بكونه مقالا نقديا في السرد.

تلخيص المقال:
يشير ميشيل رايمون في بداية مقاله إلى أن التمييز بين الرواية والقصة يعود إلى فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى إذ كشف عنه جيد سنة 1911، والذي أعاد لهذا التمييز راهنيته مع ظهور روايته "مزيفو النقود" الذي اعتبرها روايته الأولى الأساسية[1]، وارتكازا على مواقف جيد وأرائه يعتبر ميشيل رايمون أن "القصة (...) كانت تتميز ... بملمحين: فهي تقدم شخصية أساسية، وتنتقد موقفا أخلاقيا في نفس الوقت الذي تعرضه فيه"[2].

إن أساس التعارض بين القصة والرواية هو تعارض المركب مع البسيط، إلا أن بساطة الأولى (القصة) لا تكمن في تقديم مشهد قصير وعنيف إذ بإمكانها أئن تعرض مجرى حياة بكاملها شريطة التركيز على بطل مركزي.

وعموما فـ"إن قصر القصة وصفاء نسقها يتعارضان مع ما يتميز به مفهوم العمل الروائي من الاتساع ... لقد كان التعارض بين القصة والرواية سنة 1911 يحيل على المواجهة بين فن فرنسي تمثله أعمال من فصيلة "أميرة كليف" و"دومينيك" و"أدولف" وبين الرواية الأجنبية الكبرى التي كانت في طريقها لأن تصبح قطبا جاد بالكثير من الروائيين الفرنسيين"[3].

وعلى الرغم من ذلك تظل القصة ـ حسب مشيل رايمون ـ مادة الرواية ونسيجها من وجهة النظر التقليدية، وإن كانت في الوقت ذاته جنسا أدبيا قائما إلى جانبها.

وقد بين "ميشيل رايمون" أن "ديبوس" قد أعلن عن موقفه من خلال عبارة لبورجي تقول بأن الرواية ليست هي الحياة المعروضة ولكن هي الحياة المحكية؛ وتأسيسا على ذلك يجعل من القصة مقابلا للحياة المعروضة والرواية مقابلا للحياة المحكية[4].

وفي سياق عرضه للمواقف يقدم صاحب المقال موقف رايمون فيرنانديز الذي ينظر إلى الرواية والقصة بوصفهما صيغتي تقديم، مما يجعل الاختلاف الأساسي بينها قائم على الحديث في الأولى بينما في الثانية يكون قد جرى في الماضي، وهذا يحيل على أن السارد" في القصة ينظم الأحداث وفقا لمخطط سببي وزمني بل تفسيري عندما يكشف الأحداث على ضوء ما سبق ويمنحها قيمة شمولية أو تمثيلية ،في حين يحاول الروائي إعادة الشعور بكثافة الأحداث والتباس البطل"[5].

وقد أشار إلى أن فيرنانديز قام بطفرة كبرى في مجال الرواية من خلال استفادته من مقترحات رفيير فظهر بذلك ميول الإحالات إلى أعمال أخرى، مثل يوليسيس لجيمس جويس، عوض الإحالة إلى أعمال تولستوي التي رأى فيها أنها قد أصبحت كلاسيكية متجاوزة،وبذلك كانت سنة  1926 هي سنة نهاية الرواية وازدهار لها في الوقت نفسه.

وقد أصبحت تقنيات جديدة هي المتحكمة في جودة الأعمال الروائية مثل:

- تبعية الشخصية للحاضر؟ بما أن ماضيها لم يعد سوى ذكرى وأن مستقبلها مبهم.

- المونولوج الداخلي وأساليب وجهات النظر قد شكلت جهودا منهجية للحصول بصفة استثنائية على بعض الآثار الفنية التي توصل روائيون كبار إلى إنتاجها بوسائل أخرى، إن فن المونولوج يقضي بجعل هذا الحضور الذي يغمر القارئ حاضرا معيشا  من طرف البطل.

- الأحداث التخييلية التي يستعيد بها القارئ الإحساس بالمفاجأة والتساؤل وبانعدام اليقين التي تخفيه الحياة.

- الانتقال من الرواية البورجوازية إلى الرواية الوجودية، ومن الرواية الجويسية إلى الرواية الواقعية الذاتية.
- التمييز في استعمال المدة الزمنية بين القصة والرواية[6].

غير أن فيرنانديز ما لبث أن تراجع في سنة 1929 في مقاله المعنون "شعرية الرواية" عن التمييز الذي كان قد كشف عنه سنة 1926 [7] ليقدم تمييزا بين القصة والرواية: في كون الأولى ذات نظام منطقي وخطابي للماضي بينما الثانية تجري أما منا دون عرض ودون مواربة[8].

وقد صرح في خاصية المدة أنها تقوم بدور أقل مما كان يتصور، مسجلا رأي أرتيكا إي كاسي إذ اعتبر "كثيرا من الروايات الطويلة بما فيها بعض أفضل روايات دويستوفسكي، لا تغطي سوى عدد قليل من الأيام والساعات وبهذا فهو يعتبر أنما يدوم هو الوصف وليس الشيء الموصوف[9].

إن هذه الجملة الأخيرة "إن ما يدوم هو الوصف وليس الشيء الموصوف" أصبحت مركزية في التمييز بين القصة والرواية باعتبار أن الرواية في نظره "تحليلا شاملا للواقع من طرف المؤلف" ولهذا يرى ميشيل رايمون أن بورجي كان "قد لاحظ أنه إذا كان كاتب القصة القصيرة يقطف غصنا واحدا (من النبتة) فالروائي يجتثها كاملة بجذورها وتربتها"[10].

ولهذا اتضح لرايمون أن بورجي كان يروم التدليل على أن القاص لا يعرض سوى واقع مخدوع، لكن الروائي ولأنه يترك لنفسه حرية إظهار الأسباب والنتائج في الوقت نفسه فإنه كان لزاما عليه أن يعطي التفسيرات ويصدر الأحكام.

وبعد تقديمه للتمييزات التي فصلت بين القصة والرواية عاد فيرنانديز ليسجل اعتراضا على التمييز الذي رأى أن في القصة "حياة مروية" وفي الرواية "حياة معروضة أو ممثلة" بواسطة مرآة صافية ليقف على أن هاتين الصيغتين رغم أنهما تقديم للواقع فإن حال الرواية ليس أكثر واقعية من القصة، ليطرح بديلا عن ذلك تمثل في أن التمييزات "لم يكن عليها أن تهتم بالوضع الذي يتخذه الروائي أو السارد إزاء الواقع، بل كان عليها أن تهتم بالسلوك الثقافي للكاتب ساعة مواجهته للورقة البيضاء (...) فبينما يقصر السارد التلميح ويداعب تذكراته يستسلم الروائي الكبير لنشوة الإسهاب، فهو لا يعوزه أبدا التقاط التفاصيل وإبداء الاقتراحات والإشارات وإذا اضطر في بعض الأحيان إلى التقيد بوضع شخصيته في موقف (حكائي) والى جعلها تسترسل في ديمومتها فبإمكانه كذلك أن يتناول موضوعه عبر خطوط متفرقة،فليس هناك بالنسبة للروائي، سوى طريقة بإيعاز إلى القارئ بإسهاب الواقع وغناه، ألا وهو الاستسلام لغيض الخلق الفني"[11].

وبذلك فهو لا يقيم علاقة التمايز بين النوعين الأدبيين القصة والرواية من خلال  انهما صفتان لتقديم الواقع؛ ولكن للكيفية التي يريان بها هذا الواقع، فبينما يكشف القارئ اللحظة المشهدية يسهب الروائي في وصف المشهد ويسترسل في ذكر تفاصيله.

وعلى اثر اعتباره أن هذه التمييزات ليست نهائية وبخاصة أنها كانت في كل الأحوال ذات طبيعة نظرية، فإنه قد قدم مجموعة من الاعتراضات والانتقادات التي سجلت عليها وفي مقدمتها:
- هل يوجد من وجهة نظر زمنية تميز ما بين القصة والرواية؟
- هل حقا القصة تتعلق بالماضي، والرواية تتعلق بالماضي؟

- وهل فعلا – في ضوء هذا الخصائص المميزة للجنس – يكون مؤلف القصة على علم بنهاية قصته في الوقت الذي يبدأ بعرضها ويعرف أين تتجه، ويرتب إشاراته تبعا للمنحى الذي يرسمه،في حين أن الروائي يقدم أساسا غموض المستقبل وبذلك يكون مضطرا بالتظاهر أنه لا يعرف اتجاه الأحداث[12].

وقد عقب ميشيل رايمون عن هذه الاعتراضات بكون أن هذه التمييزات ليست إلا نظرية،لان قارئ القصة لا يعرف دائما أين يتجه به القاص بل حتى القاص نفسه لا يعرف  متى ستنتهي القصة التي يكتبها.

على حين أن الرواية حين يبدأ القارئ في القراءة يعلم مسبقا انه سيتجه إلى نقطة محددة في المتن بأنها هي نهايتها، ولهذا تنتفي مقولة أن الروائي هل فعلا لا يعرف أن عمله الروائي سيقفل أم لا؟! والحال نفسه مع المتلقي.

وفي ختام المقال اعتبر ميشيل رايمون أن التركيب الذي استنتجه من رأي فيرنانديز في تقديمه للتمييزات بين القصة والرواية ، قد كان  مارتان دي كار وأندري  جيد قد نجحا في الإشارة إليها "دون التفريط كلية في بعض عناصر القصة المرتبة في أجزاء متجاورة، فلم يكن أحد يمارس بعد التواقت، وكل جزء كان يحكي فعليا (...) وتوجد هنا كذلك قصص مغرقة في الكلاسيكية تنجح في فرض حضورها وتصل إلى جعل الماضي يعاش كما كان حاضرا، وذلك باستعمال الوسائل الأكثر رزانة"[13].

[1]- ميشيل رايمون: (بصدد التمييز بين القصة والرواية)، ترجمة، حسن بحراوي، ضمن كتاب: طرائق تحليل السرد الأدبي، دراسات، سلسلة ملفات 1929 / 1، منشورا اتحاد كتاب المغرب، الرباط، 1992. ص 177.
[2]- نفسه.
[3]- ميشيل رايمون: بصدد التمييز بين القصة والرواية، مرجع مذكور، ص 177.
[4]- نفسه، ص 178.
[5]- نفسه.
[6]- ميشيل رايمون: بصدد التمييز بين القصة والرواية، مرجع مذكور، ص 179.
[7]- نفسه.
[8]- نفسه.
[9- نفسه.
[10]- نفسه.
[11]- نفسه. ص، 180.
 [12]- ميشيل رايمون: بصدد التمييز بين القصة والرواية، مرجع مذكور، ص 180.
[13]- نفسه، ص 181.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال