الكتابة على الطريقة المملوكية في مجموعة (بَوح) لمحمد الجلواح

يسعى محمد الجلواح في مجموعته (بوح) صياغةَ (مثَلِهِ الجمالي) من خلال المكان الحسي.
ويتخد من (منطقة الأحساء) منطلقه لرسم ذلك.
فمساحةُ البديل الموضوعي للرؤية عنده هي مساحةُ الأحساء، ومناخها: الخضرة والشجر والنقاء والشمس والثقافة والنَّسَب والنخل والرُّطب.

وقد جعل الكاتب من الأحساء النموذج الموضوعي لبدائل الخلل في الرؤية، فحين يحسُّ الإنسان بالتعب مما يحيط به عليه بالأحساء، يقول:
تَعِبٌ أنـتَ إذا لـم  تأتِهـا -- فإذا مـا جئتَها راح َالتعبْ
واعزفِ اللحنَ بما شئتَ وقل: -- هـذهِ الأحساءُ أصلٌ ولقبْ
واحةٌ للخيـرِ والحـبِّ معَاً -- وهـيَ أيضاً للمعالي والأدبْ

لكن مع تقديرِنا لوضوحِ الهدف لدى الكاتب، وسعيِه للتعبير عن (مفهوم الجميل)، وتحميله له البُعدَ الوجداني، والمناخ الحسي، والأبعاد المكانية المؤطرة، فمجموعةُ (بوح) تعاني مشكلات أساسية نورد أبرزها على نحو ما يأتي:

أولاً:
تُعاني نصوص المجموعة - دون استثاء - من التكرار الذي يطالُ المفردة والجملة والتركيب والقصيدة ونظام الجملة؛ فعلى صعيد المفردة يكرّر الكاتـب فعـلَ (القول) (28) مرّة في (23) بيتاً (أنظر الصفحة 27)، وعلى صعيد التركيب والجملة يكرر الكاتب صدرَ البيت التالي أربع مرّات في نصٍّ يتكوّن من خمسة أبيات بحيث يمكن اختصارُ النص ببيت واحد دون أن يُصاب بخلل، يقول:
بريدُكِ لا يـأتي  وأنت بعيدةٌ -- وفي القلبِ أشواقٌ يبرِّحها البُعدُ(15)

وهو - أيضاً - يكرّر نصوصاً بحالها؛ ففـي المجموعة (28) نصـاً في الغزل مـن أصل (41) نصّاً هي مجملُ نصوص المجموعة.

وأكادُ أزعم أنه يمكن الاكتفاء بنصٍّ واحد منها ليعبّر عن بقيّةِ النصوص الأخرى، بل يمكن اختصارُها جميعاً بعدد قليل من الأبيات دون إحداث أي خلل يَنتُجُ عن ذلك الحذف.

فالشاعر يكرر فيها المفردة والتركيب والجملة والدلالة والحالة، وكأنها نسخة واحدة.
و تقع المجموعةُ - إلى جانب ما تقدّم - ضحيةَ نـوعٍ خطير آخر من التكرار يتمثّل في تكرار نظام الجملة نفسه.
والشعرُ هنا لا يفقدُ إدهاشَه لافتقاده إلى التنوع فحسب، وإنما يفقد مركزَ استثارة المخيلة لوقوعه في نمطية اللون الواحد، فيضعف فيه الإحساس الجمالي الافتراضي . انظر مثلاً وليس حصراً الصفحات: (13- 15- 27-124 – 125....

ثانياً – الوصف:
كان الكاتب يتناول موضوعَه من الخارج ، فيعتمد على الجمل الإخبارية ويُكثر من ياءات النداء.
وإذا كان الشعرُ يعكس موقف المبدع من العالم فإن  الكاتب محمد جلواح نقلَ صورة العالمَ كما هي بحيث لا يختلف - في ذلك - عن أي تحقيق صحفي غير مميّز.

وكلّ نصوص المجموعة تخضع لهذه الملاحظة.
ونودّ الإشارة هنا إلى أنه يوجد لدينا نوعان من الكتابة، أولهما ينقل أثرَ الشيء لا الشيء نفسه.
وإلى هذا النوع ينتمي الفن ومن ضمنه الشعر، وثانيهما ينقل الشيءَ نفسَه دون أي تقاطع مع الذات، وهو لذلك لا يستثير في المتلقي أي شكل من أشكال (القيم الجمالية)، وإلى هذا النوع تنتمي كافة أشكال الكتابة الموضوعية، مثـل التاريخ، وعلم الاجتماع، والتقرير الصحفي، والتقويم، والبحث العلمي، والتلخيص، وغيرها.
والمجموعـة التي بين يدينا تنتمي بامتياز إلى هذا النوع الثاني من الكتابة.

ثالثاً:
معظم قصائد المجموعة قصائد مناسبات، وغالباً ما تسعى هذه النصوص لنقل ما يُرضي غرورَ الآخر لا ما يُحسّ به الشاعر، ولذلك تأتي ضعيفة .

رابعاًً:
تُعاني المجموعة مـن ضعف شديد في تركيب الجملة الشعرية.
ولعل النص التالي - الذي يُدعى فيه الشاعرُ إلى حضور حفل للزواج الجماعي - يؤكد ذلك:
قالَ لي كيفَ الحال؟ قلتُ: تمامْ --  وأعـادَ السؤالَ بعـدَ سماعي
قلتُ: أهـلاً ومرحباً بصـديقٍ -- تَخِذَ البُعـدَ مركباً  بشـراعِ
قال لي: الآن ليسَ  وقتَ  عِتابِ -- فأنـا أبتغي  ختـامَ رقاعـي
قلتُ مـا الأمرُ قال إقرأ وشرِّفْ -- حفلَنا  جالبـاً  غنـاءَ  اليراعِ
وجميـلٌ أن يُكثـرَ النـاسُ منه -- فانفرادُ الآراءِ سـقطُ المتـاعِ
قـد سمعنا النـداءَ  ثـم  أطعنا -- وأتينـا إلى الزواجِ الجماعي(91)

في هـذا النص فقرٌ في المفردات والتخييل، وفيه أيضاً أسلوب غريب في التعبير، وسذاجة غير معهودة في الشعر، إلى جانب السرد الممل.

خامساً:
تُعاني بعض النصوص من اللعبُ في الأسلوب على الطريقة المملوكية أعني من الاهتمام في بناء الشكل على طريقة عصور الانحطاط.

ولا أدري ما الحكمة في أن يأتي شاعرٌ معاصر، ويقوم بكتابة نص يبدأ كلُّ بيتٍ فيه بحرفٍ من حروف اسم صديقه؟
(ن) ناديتُ فيكَ عواصم الشعراء -- ومضيتُ فيها سادراً بغنائي(34)

سادساًً:
وتنطوي المجموعة على مجانيّة مفتعلة في الاستخدام الغزير للمفردات والتراكيب إلى درجة أن المتلقي يفقدُ الإحساس بما يقرأ، يقول:
يا ليلاً لايملكُ آخر
ياكهفاً يقتلُ خيطَ النورِ، ويقتل تغريدَ الطائرْ
وشمٌ أبديٌّ فوقَ القلبِ يتيهُ شموخاً ويُكابر
آهٍ يا ليلُ متى ألقى في صبحِكَ صبحاً وبشائر
تاريخٌ مطويٌّ يرحَلْ، وجفاءٌ منتشرٌ يعملْ
والحرفُ يُشَهَّرُ في الماضي، والفجرُ يُبشِّرُ بالقادم
وعيونٌ ترمقُ في الماضي
وحنينٌ يُشرِقُ أو يقتلْ
يا أيامي
يا كل فصولي أجيبيني
هل يأتينا غيثٌ واسع؟
هل يُلغى الكابوسُ القابع(95)

سابعاً:
الكاتب مغرمٌ بحشدِ أسماءِ الأشخاص، والأمكنة، والأمثال الشعبية مما يشكل عبئاً ثقيلاً على المتلقي، ويُفقد الجملةَ الشعرية بريقها، وإلا ما معنى أن يورد الشاعر أحد عشر اسماً في أربعة أبيات؟ يقول: 
يا (مُنى) النفـسِ ويـا (ناديةُ) العمـرِ الخـُرافي
يا (سُـعاد)ي و(رباب)ي و(حنان)ي و(هتاف)ي
أنـتِ يـا (فاطمة) الدهرِ (رجائ)ي و(عفاف)ي
أهِ يـا (ميّادة) الـحبِّ، و(إرواء) الجفافِ(86)
و انظر كذلك :20-23-49 – 72-86-92-93.

ثامناً:
كان الالتزام بالقافية يدفع الكاتب لاستخدام مفردات لامبرر لوجودها.
فهو يتحدث عن الأحساء قائلاً:
خُضرَةٌ، ماءٌ، ووجهٌ  مشرقٌ -- هو والله بـ(هجرٍ) لا كَذِب(12)

والسؤال هنا: هل بعد القسم بالله شكٌّ؟ فقد كان يمكن للكاتب أن يُنهي الجملة عند القسم، ولكنه أضاف عبارة (لا كذب) من أجل القافية، مما أفسدَ البيت كلّه، بل أفقده مصداقيته.

ونريد الإشارة هنا إلى أن معظم النصوص تقع ضحية ذلك، فتبدو المواقفُ - في أغلب الأحيان - مفتعلةً دون أدنى مسوّغ فني.

تاسعاً:
ومن الأمور المفارقة الغريبة أن تنتقل المجموعة لتأخذ دورَ الحصّة المدرسية، وينتقل الكاتب ليأخذ دور المدرّس، فهو يشرحُ أهميةَ الرياضة للأطفـال والشيوخ، ويؤكد أهميةَ الزواج الجماعي وغير ذلك. يقول: 
هي الرياضةُ قـد هبَّتْ نسائِمُها -- ريـاحَ مُـزْنٍ أتـى ريـّا ومرتقبا
هيَ الرياضةُ فاشربْ من مناهِلِها -- ودعْ جلوسـَكَ (كسلاناً) ومكتئبا
هي الرياضةُ كالمعنى  البليغِ على -- الشعرِ الجميلِ الذي يستوجبِ العَجَبا
قصيدةٌ راحـتِ  الأيامُ تُرسِلُها -- إلـى الشـبابِ  كتاباً خير ما كُتبا
طفلٌ يمارسُـها كهلٌ  يَهيمُ  بها-- شبابُها قـد أتاها ينفضُ التعبا (124)
وانظر كذلك (ص90)، وحديثه عن الأهمية الاجتماعية للزواج الجماعي.

خلاصة القول:
إن مجموعة (بوح) تتضمن نصوصاً فـي التعزية، والتهنئة، والغزل، والأطفال، والوعظ، والمعارضة، والرد على الأصدقاء، والدعوة إلى حضور زواج جماعي، وأهمية الرياضة لكبار السن والأطفال إلى جانب التناص المفتعل - مع نصوص وأشخاص - جاء متعمداً ثقيلاً.
وكل ذلك جعلها مجموعة ضعيفة، تكاد تكون المسافة بينها وبين الشعر بعيدة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال