النقد الروائي والإيديولوجيا.. تعدد الأصوات والحوار بين أنماط الوعي المتعارضة في الرواية

لعل حميد لحمداني شعر بتقصيره في التنظير للمنهج البنيوي التكويني الذي رغب فيه، فحاول تعويض هذا النقص في كتابه (النقد الروائي والإيديولوجيا) 1990 الذي خصصه للمنهج البنيوي التكويني: مفاهيمه، وتاريخه، وأعلامه.. وجعله ثلاثة أقسام:
بحث في القسم الأول (الإيديولوجيا في الرواية) عند باختين ولوكاش وغولدمان وزيما.
وبحث في القسم الثاني (النقد الروائي الاجتماعي العربي).
وعرض في القسم الثالث تطبيقاً لما ذهب إليه من تنظير، وذلك بمناقشة كتابي (البطل المعاصر في الرواية المصرية)، و(الرواية والواقع).

في تعريفه (للإيديولوجيا) اعتمد تعريف العروي للإيديولوجيا بأنها قناع (أو نمط سياسي)، ونظرة كونية (أو نمط اجتماعي)، وعلم الظواهر (أو نمط معرفي).

وبعد أن ناقش هذا التعريف وصل إلى الإيديولوجيا في الرواية؛ فعرض آراء بيير ماشيري في كتابه (من أجل نظرية للإنتاج الأدبي) استمدها من آراء لينين في أعمال تولستوي. ثم عرض آراء باختين أشهر مَنْ تحدّث عن المكونات الإيديولوجية في النص الروائي، والذي ظلّت أبحاثه غير معروفة نظراً لما لاقاه من اضطهاد في الاتحاد السوفييتي بسبب أفكاره المخالفة للماركسية، والذي توصل إلى تعدد الأصوات والحوار بين أنماط الوعي المتعارضة في الرواية. وهو يعتبر الدليل اللساني محمّلاً بشحنة إيديولوجية تجسّد الصراع الاجتماعي السائد. ولا حاجة إلى مقابلة الرواية بالواقع لأن الواقع حاضر في الرواية على المستوى اللساني. كما لا حاجة إلى مناقشة الكاتب لأن الرواية ليست تعبيراً مباشراً عن صوت الكاتب، فكل شخصية في الرواية لها صوتها الخاص وموقفها الخاص ولغتها الخاصة وإيديولوجيتها الخاصة أيضاً.

ثم ينتقل الباحث إلى عرض (إيديولوجيا الرواية بين باختين وغولدمان) فيرى أن غاية غولدمان من وراء تحليل البنية الداخلية للعمل الروائي هي الوصول إلى تحديد البنية الدالة التي يمكن اعتبارها بمثابة عمق للنص. وبهذا فهو لا يلتفت إلى تعدد المعاني والتعارضات التي يحملها النص أو يُغفلها، من أجل اكتشاف عمق النص الذي هو (البنية الدالة) المقصودة بالتحليل.

ثم ينتقل غولدمان، بعد اكتشاف (البنية الدالة) إلى مجال (المقارنة)، فيربط هذه البنية ببنية أوسع مناظرة لها يتلّمس وجودها في الحقل الثقافي أو الإيديولوجي، بخلاف باختين الذي لا يفصل بين الأدب والحقول الثقافية والإيديولوجية، إذ يعتبر هذه الحقول كائنة في الإبداع ذاته، وملتحمة في المظهر اللساني فيه، فعندما نحلل رواية باعتبارها (تركيبة من الدلائل) فنحن نتعامل مباشرة مع الواقع الاجتماعي والثقافي والإيديولوجي، ولا حاجة لإقامة تناظر بين عالم الرواية والواقع لأن الرواية هي الواقع.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال