الميتامسرح والكوميديا.. الكوميديا تساعد على هدم قيم وبناء أخرى توفر الإطار الملائم للمتيامسرح كي يصبح ممارسة نقدية تقويضية لجمالية المسرحية

ثمة تمييز يفرض نفسه، بدءا، بين الكوميك Comique والكوميديا.
فالأول مظهر عام يرتبط بالأحداث اليومية والأشخاص والأمزجة وببعض أشكال التعبير الأدبي بحيث يكاد يطابق مفهوم المضحك Risible.

لذا، يمكننا أن نذهب مع جان ساريل Jean Sareil الذي يقول: "إذا  سئلت ما معنى الكوميك ؟ فإن الجواب الوحيد الذي بإمكاني الموافقة عليه كليا هو: ما يجعلني أضحك".

وهذا التعالق بين مفهومي الكوميك والمضحك هو الذي يضفي على الأول طابع النسبية ويجعله مرتبطا بطبيعة الجماعات البشرية. أما الكوميديا، فهي نوع درامي يمكنه استثمار الإمكانات التي يتيحها الكوميك وإعطاؤها شكلا متميزا.

لذا، فلا عجب أن نجد الكوميديا كنوع قد عرفت تلوينات متعددة خلال تاريخها الطويل.

هذا التمييز نفسه هو الذي أكد عليه ميشال كورفان في بداية كتابه الجديد عن الكوميديا حيث يقول: "الكوميديا هي نوع ومفهوم في آن واحد، باعتبارها نوعا؛ لها تاريخ غير متصل بالضرورة، مادام أصلها يعود إلى أرسطوفان، وتمتد لدى اللاتينيين، وتنقرض خلال العصر الوسيط لتظهر من جديد خلال القرن 16 وتكتمل خلال القرن 17 قبل أن تثبت نهائيا وتتحجر، بعد ذلك، في القرن 18.

وتتحدد، بالتالي، بخصائص وطرق أدبية وجمالية - اجتماعية [...].
الكوميديا كمفهوم ترتبط بالكوميك، مادام الكوميك هو الذي يفسر إمكانية وضع أعمال تنحدر من " مسرح الضحك "في إطار الزاوية النوعية للكوميديا".

إن خاصية الضحك هي الجسر الذي يقرب المسافة بين الميتامسرح والكوميديا.
فإذا اعتبرنا الميتامسرح "امتحانا للحقيقة Epreuve de Vérité" بحكم طابعه التأملي وبالنظر إلى الوعي الذاتي الذي يجسده - فإن "هذا الامتحان الذي لا يمكن أن يتم دون ضحك. فالنظرة النقدية، في الغالب، نظرة كوميدية".

لذا، فلا عجب أن نجد معظم الأعمال الميتامسرحية لا تخلو من الأجواء الكوميدية، إن لم تكن هي نفسها عبارة عن كوميديات.

ولعل ما يزكي هذا الاقتران بين الفعل النقدي في الميتامسرح وبين الفعل المضحك في الكوميديا، هو الوضعية التي يتبوأها المتفرج، حيث يعيش نوعا من "التعالي" إزاء ما يجري من أحداث، ويتخذ المسافة التي تخول له إصدار حكمه على ما يجري، هذا الحكم الذي يعد الوجه الثاني للضحك.

ويبدو أن طبيعة الكوميديا تساعد على ذلك، لاسيما وأنها - حسب كورفان -" تاريخ للآخر L’Autre. تاريخ لآخر يجعله اختلافه عنا نحن المتفرجين - سواء في لباسه، في كلامه، في معجمه، أو في طريقة عيشه وتصوره للأشياء - منحطا ويثير الضحك فينا، وذلك بجعله منفردا".

 إن الكوميديا تساعد على هدم قيم وبناء أخرى؛ وهذه الجدلية نفسها هي التي تشكل العمود الفقري للميتامسرح الذي يشتغل فيها، غالبا، باعتباره "مسرحا مضادا Antithéâtre" يهدم بدوره مفهوما معينا للمسرح ليبني مفهوما آخر.

في هذا الإطار، هناك خاصيتان أساسيتان في الكوميديا تخلقان الإطار الملائم للمتيامسرح كي يصبح ممارسة نقدية تقويضية لجمالية المسرحية، وبالتالي لنسق القيم المرتبط بها، وهما:

- تحطيم القدسية Désacralisationn، وتتجلى في كون "الكوميك قليل الاحترام؛ ليس فقط إزاء الحياة والموت والله والمؤسسات كيفما كان نوعها، وإنما أيضا إزاء الإنسان وتفاهاته وحماقاته المتعددة.

فضرب القدسية هو ملامسة موضوعات صعبة، والتجرؤ على إشكالات خطيرة بنوع من الوقاحة [...] وضرب القدسية هو أن تعجب أو تصدم، وأن لا تترك أي مكان للامبالاة".

وهذه الخاصية تخدم الميتامسرح من زوايا متعددة، لأنها تهيء للمؤلف المناخ الملائم كي يكون واضحا مع ذاته ومع الآخر، وأن يعلن عن تصوراته الجمالية والقيمية أيضا دون حرج أو تردد.

- الطابع السالب Caractère Négatif. فالكوميك يكون بالضرورة ضد شيء ما.

لذا، نلاحظ أن الأعمال الكوميدية التي تعتمد الميتامسرح تعد "أعمالا صراعية Oeuvres de Combat" - كما يسميها نيشي - لأنها تخلق بذلك نوعا من الانسجام والملاءمة بين المسرح كإطار لممارسة الصراع الدرامي وكحقل لممارسة النقد وبلورة "صراع المسارح"، كما هو الشأن مثلا في "مرتجلة فرساي" لموليير.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال