شكل وعيه الأول منذ وقت مبكر فقد كان يحب الأدب والكتابة واللغة الإنجليزية، ولذلك كان من أوائل المبتعثين للندن عندما كانت الحاجة ماسة لذلك..
كانت بلده السودان مليئة بالمثقفين والكتاب والأدباء، فلم يكن وحيد عصره أو زمانه، في وقت كانت بلدان كثيرة لا تملك هذا الكنز..
خلال فترة بسيطة استطاع من لندن أن يكون له اسماً إعلامياً من خلال العمل في هيئة الإذاعة البريطانية وأماكن أخرى، لكنه كان يبيت النية كما يبدو لأعمال أكثر قوة. ولذلك انشغل بالكتابة، وعندما خرجت روايته موسم الهجرة إلى الشمال، كان قد انغمس كلياً في الكتابة لدرجة أنها طغت على كل شيء..
لكنه مثل غيره من الأدباء والكتاب والروائيين لم يتمكن من تجاوز هذه العقدة (موسم الهجرة إلى الشمال) وعلى الرغم من أنه كتب أعمالاً أخرى ربما لا تقل شأناً عنها مثل مريود ودومة ود حام وعرس الزين... لكنها تفردت من بينهم لأنها تحدثت عن الغرب ربما، وربما لأن النقاد والصحافة احتفلوا بها منذ صدورها وحتى الآن..
أغلب أعماله تتحدث عن القرى في السودان، وعن ابن البلد الطيب وربما الساذج في بعض الأحيان، ولذلك فقد ظل وفياً لبيئته وبلده رغم ابتعاده عنها طوال عقود ظل خلالها يكتب ويكتب إلى أن جف قلمه وأصبح غير قادر على مواصلة مشواره الروائي وبقي ككاتب زاوية لفترة طويلة، إلى أن حصل على الجائزة الأولى في مؤتمر الرواية الثالث الذي انعقد مؤخراً في القاهرة.
وقد تساءل كثيرون عن سر منحه هذه الجائزة على الرغم من ابتعاده عن الرواية أكثر من عشرين سنة لكن وقوف نجيب محفوظ إلى جانبه ربما جعله يحصل على الجائزة..
الطيب صالح.. علامة فارقة في تاريخ الرواية العربية، وهو يستحق ما حصل عليه من شهرة، وسيظل اسمه وأعماله في مصاف الأعمال المهمة على المستوى العربي والعالمي، لكن ينبغي أن يتعامل مع رواياته بالمزيد من الدراسة الجادة وفيما إذا كانت تضيف شيئاً للرواية العربية.
وبالتأكيد فإن رواياته الأخرى وأعماله (غير موسم الهجرة إلى الشمال) هي أعمال أيضاً على مستوى عال من القيمة الأدبية لكن طغيان ذلك العمل جعل الأضواء كلها تتوجه نحوه مما أفقد تلك الأعمال الكثير من الحق الذي يجب أن يتوزع على الجميع، فليس من المعقول أن يكون كاتب بوزن الطيب صالح ثم لا يقيم سوى بعمل واحد. إن ذلك المأزق جعل الكثير من الروائيين يقفون عند عمل واحد، وهو ما لاحظناه في روائية مثل أحلام مستغانمي التي وقفت عند ذاكرة الجسد رغم تقديمها أعمالا أخرى أيضاً، فهل يظهر لنا الطيب صالح في الوقت الراهن أو في القابل من الأيام بعمل آخر، وهو الأمر الذي يستبعده الكثير من الكتاب نظراً للفرق الشاسع بين آخر عمل كتبه وهو ما يناهز العشرين عاماً.
التسميات
أعلام