نصائح للأبناء والآباء والأمهات في مجموعة (صوت القريحة) لأحمد بن حمود الروضان

يُعلن الدكتور أحمد بن حمود الروضان في مقدمة مجموعته (صوت القريحة) أن كل قصائد المجموعة باستثاء واحدة (كُتبت لمناسبات عامة تاريخية أو لقضايا فكرية أو لغوية أو اجتماعية).

وهو بهذا الإعلان يرسم مسار المجموعة ويؤطّرها ضمن حدود المناسبة ليس إلا، ويسعى ضمن هذا الإطار لإرضاء الآخر مضحياً بأناه، ومتجاوزاً أبسطَ مفهوم للشعر وهـو (قراءة العالم من خلال الأنا الفاعلة عبر الصورة الفنية الحية).

وقد التزمت المجموعة بهذا المسار وجاءت على النحو التالي:

أولاً - الرؤية:
مثّل الكاتب للرؤية من خلال تعبيره عن القيم القبيحة المتمثلة بالجهل والتفكك والحرب والظلم والكذب والنفاق والخداع ورفضه لها، وقابلها - في حقل الرؤيا - بالعلم والوحدة والسلم والعدل والصدق.

ثانياً - الرؤيا:
وقد مثّل لها الكاتب في مجموعة من المرتكزات، أولها: الأم (المثل الأعلى) التي انطوت على قيم الحب والحنـان والصبر والعطاء بلاحدود، يقول:
أنتِ التي في الصبرِ نِلتِ شهادةً -- جاءتكِ طائعـةً إليكِ يقودُها
فهي التي أدّت أوامـرَ  ربّـها -- كيما تفوز ويُستطابُ خلودُها
وهي التي للجـارِ أوفت  حقّه -- كم مرّةً نسـيَ الرقادُ رقودُها (10)

وثاني مرتكزات الرؤيا الإيمان بالله وضرورة العلم، ويلخصهما الكاتب بقوله:
فعلمٌ وإيمانٌ إذا اجتمعا معاً -- أقاما نهوضاً يدفعُ الجهلَ باهرا(26)

والمرتكز الثالث للرؤيا يتمثل في وحدة الوطن:
بلادي هـذهِ يامَنْ تصفها -- حباها اللهُ شبلاً  من عرينِ
فلملمَها  وقد كانت شتاتاً -- وطهّرها  من  الظلمِ المبينِ(11)

ورابع الركائز الأمان والاستقرار، يقول:
أريدُ الصلاحَ بعرضِ الفِكَرْ-- وطرحِ التناحرِ خلفَ الظهرْ
ورسـمِ التآلفِ في صورةٍ -- بشـكٍ  يفوقُ جميعَ الصورْ(19)

وخامسها تربية الإنسان المتوازن الذي يعيش في هذا الوطن، وينبغي أن يكون متعلماً، متواضعاً، ملتزماً بالأخلاق، وسادسها أن تكون اللغة العربية الفصحى هي اللغة السائدة فـي الوطن، فهي لغة الدين والتراث.

يقول الكاتب مخاطباً إياها:
لن ترقَ دارٌ دونَ جعلكِ منبراً -- أنتِ التي أرسـى  الإلهُ عُلاكِ
أرنو إليكِ وقد تكالبتِ العدا -- من أجلِ صدّكِ أو ضياعِ هُداكِ (17)

إن العناصر المذكورة للرؤيا تجعلُ من الوطن نموذجاً مثالياً سعى الكاتب لتكريسه.
وهي من الناحية الموضوعية مشروعة اجتماعياً، وتشكل مطمحاً للأدباء والسياسيين ورجال الاقتصاد.

ثالثاً-  تتضمّن المجموعة -إلى جانب ما تقدّم- كماً هائلاً من الموضوعات قدّمها الكاتب على شكل نصائح للأبناء والآباء والأمهات.
ولعله -في ذلك- يسعى لتكريس الرؤيا وتثبيتها.
وهي تأتي على النحو التالي:

- نصائح في إنجاب الأطفال وتربيتهم:
أنجبوا  الأطفـال  مثـنى وربـاعْ -- نشوةً بالفخر مـن دون اضطلاعْ
سوف ينمو من بقدرِ الكفِّ حجماً -- ناهضاً  إمـا بخيـر أو ضيـاعْ
قد يكونُ الأمرُ عنـد البعضِ سهلاً -- ذاكَ موصـوفٌ  براعٍ غيـرِ راعْ
طفلك  اليـوم  لشـدِّ  الأزرِ رمزٌ -- إن ركبتَ الصعبَ  في شدِّ القلاعْ
راقبـوا  الأبنـاء لاتسـهوا بعينٍ -- كم عيون اَسقطت  خُبثَ الخداعْ (36)

- نصائح في اكتساب العلم، وأهميته، يقول:
فلا المالُ يُجدي إن أُريقتْ كرامةٌ -- ولا المالُ يشـفعُ للوضيعِ تعثّرا
وليسَ كمثـلِ العلمِ   عِزٌّ ومنعةٌ -- وليس كمثلِ  العلمِ  يُعلي منبرا
عليكَ بركبِ العلمِ  رايتُـهُ التي -- تُقيمُ لتلكَ الدارِ  غيباً ومَحضرا
فلو عمَّ هـذا العلمُ جُلَّ  عقولنا -- لأصبحـتِ الأيامُ أجملَ منظرا
ولانتفتِ الأشرارُ في كلِّ موطنٍ -- فمدرسةُ  التعليمِ  أعظمُ زاجرا(26)

- نصائح في الإعداد حيث يؤكّد أن الإعداد يغلب الأعداد:
كلُّ الذي أرجوه أن تتذكّروا -- أن الشباب بلا عقولٍ قُصّرُ
فإذا البيوتُ بجهلِهمْ قد بُعثرت -- وإذا البلاد بفقدِهم تتعثّرُ(39)

- نصائح في معالجة اليُتم (انظر 33) .

- نصائح في السلوك والأخلاق والصدق وكيفية التعاطي مع الآخرين:
فالكاتب ينصح بالتمسك بالأخلاق الحسنة، والسماحة، وصيانة العهد، والصدق في المعاملة، ويحذر من الغرور، والحسد، والكذب، يقول:
ألا بالخلُقِ يدنـو كـلُّ  ناءٍ -- وتنتصرُ الشعوبُ بلا دماِء
وما الأخـلاقُ إلا في صفاتٍ -- سـلالمُ  للرُّقي وللنقاءِ
فلا تكذبْ فإن الكذبَ وهمٌ -- سحائبُهُ ركـامٌ دونَ  ماءِ
ولاتغترَّ فـي  أكـلٍ   ولبسٍ -- ولا فـي منزلٍ عالي البناء
ولاتكُ حاسـداً تمسسْكَ نارٌ -- تلظّى جمرُها وسطَ الحشاءِ
وكنْ  سمحاً إذا للعفو بـابٌ -- ترى بيتاً لصيتِكَ في العلاءِ
وصُنْ للعهـدِ ميثاقـاً غليظاً -- وكن حرباً على حيلِ الرياءِ
ولاتظلم فإن الظلـمَ ذنـبٌ -- عقوبتُه تـُرى قبـل العزاءِ(21)

لا أحد يختلف مع الكاتب في أن القيم التي دعا إليها جميلة وضرورة من ضرورات النجاح في الحياة، وسببٌ أساسي من أسباب الاستقرار الاجتماعي والأمان والتقدم ومواكبة التطور في المعرفة، ولا أحد يختلف معه في أن الكذب والغرور والنفاق والحسد والظلم قيمٌ قبيحة بكل المقاييس. ولابد من تجنبها.

وتُعنى اليوم كافة المناهج التربوية بذلك ، وتؤكد ضرورة التمسّك بالقيم الجميلة، وترك القيم القبيحة، وهي تؤكد كل ذلك وتشرحه وتفسّره وتعلّمه للأطفال، وكذلك يسعى الأهل إلى تربية أولادهم عليها . ونحن نعرف جميع هذه القيم.

والسؤال هنا : ماذا أضاف الكاتب إلى تلك القيم ؟ لاشك أن من أهداف الفن -ومن ضمنه الشعر- أن يدعو إلى التمسّك بالخير ويدعو إلى تجنّب الشر، ولكن ذلك يكون بمقاييس الشـعر، وليس بمقاييس الوعّاظ، وأسـاتذة التربية، وعلماء الاجتمـاع، وإلا ما الفرق بين الشعر وأشكال النثر الأخرى؟

لقد قدّم الكاتب كل ذلك نظماً وليس شعراً. والوزنُ هو الرابط الوحيد بين ما كتبه وبين الشعر، علماً بأن الوزنَ ليس إلا عنصراً واحداً من عشرات العناصر التي تجعلُ من الشعر شعراً.
وإذا كنا ممن يَعُدُّ الوزنَ هو الشعر لاعتبرنا ( ألفية ابن مالك ) من أعذب الشعر وأنقاه.

ومما يجمع بين النصوص التي أوردناها ومعها بقية نصوص المجموعة ( النثرية، والمباشرة، والتقريرية، والتعبير، وضحالة الجانب المعرفي، وتكرار الأفكار ذاتها فـي أغلب النصوص، والسرد، والإكثار من أدوات الربط، والالتزام بالدلالة المعجمية للمفردة، وكذلك بنظام الجملة نحوياً، والابتعاد عن الغنى والتنوّع، وفوق كل ذلك فالكاتب التزم بالبناء المعماري العمودي -وهذا ليس عيباً- ولكنه لم يستغلّ منه سوى الوزن.

ومن الطبيعي - والأمر كذلك - أن تختفي سمتا الخصوصية والتفرد من المجموعة.
وهما مطمحٌ لكل مبدع ، وهدفٌ لكل عمل إبداعي.

ولعل النص التالي يُجمِلُ كل الملاحظات المذكورة ويؤكّدها:
شـبابَ  اليومِ إن العلمَ نصرٌ -- نُغيـظُ بـه عدوّاً أو حقـودا
فلا تعلـو  لرايتنـا قبـابٌ -- إذا بتنـا  نيامـاً أو ركـودا
نُشمّر عن   سواعدنا  لنهدي -- معالي  لـن تزولَ  ولن تبيـدا
فليس  الغربُ   يعلونا  عقولاً -- وليس الغربُ أصلبَ منكَ عودا
سنخسرُ  لوعةَ  الأجيالِ  فينا -- إذا كنـا  للوعتهـا شـهودا(32)

وليس غريباً أن تتحمّل المجموعةُ أعباءَ كل تلك الملاحظات.
فللكاتب رؤية محددة وواضحة لمفهوم الشعر يُعلنها في إحدى قصائد المجموعة، وهو ينطلق في صياغة قصائده منها.

فهو يقيّد الشعر بالوزن - من الناحية البنائية - ليس إلا، ثم يتوسّع في مفهومه -من حيث الدلالة- فيؤكّد أن من مهام الشعر أن يوقف الحروب، وينشر الفكر، ويوقف الظلم، ويعلّم، ويربّي.

والأكثر من ذلك يحصر الكاتب كتابة الشعر علـى النضج العقلي حتى يستطيع تأدية المهام الكبيرة التي أناطها الكاتب بالشعر، يقول: 
نريـدُ  قصائداً ليست  كلاما -- على الأوزانِ قد نُسجتْ تماما
نريـدُ  قصائداً  إن  عنَّ ظلمٌ -- تكون كنجدةٍ أنهتْ صـداما
فتمسحُ من على الخدين جُرماً -- أذاق القلـبَ  ويلاتٍ عظاما
نريدُ قصـائداً  بالفكـرِ  ريا -- تردُّ جهالـةً  تجنـي  انهزاما
لزامٌ أن يصـوغَ الشـعرَ فذٌّ -- لـهُ عقـلٌ يُجنِّبـه   الملاما(23)

خلاصة الكلام:
بما أن الكاتب ألزمَ نفسه بهذا المفهوم للشعر فعليه أن يختار ما يُطرب الآخر ويرضيه.
وقد اختار حقّاً إرضاء غرور الآخـر ولكنه خسر نفسه.

باختصار:
إن مجموعة (صوت القريحة) لأحمد الروضان عبـارة عـن نصائح ودروس هامـة في الوعـظ والحكمة، ولكنها قُدّمت نظماً لا شعراً، ولايمكن التعاطي معها إلا على هذا الأساس.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال