الميتامسرح والمحاكاة الساخرة.. ليس اعتباطيا أن يكون المسرح داخل المسرح مرتبطا، في الغالب بالمحاكاة الساخرة

إن الحديث عن المحاكاة الساخرة Parodie هو حديث عن النوع الأدبي الذي يتم فيه المزج بشكل صريح بين الممارستين الإبداعية والنقدية، مما يجعله إطارا خصبا للميتامسرح.

ففي هذا النوع نجد، في الغالب، نصين: نص سابق مسخور منه Hypotexte Parodié ونص لاحق ساخر Hypertexte Parodiant.
وتقوم العلاقة بين النصين على بعد الصراع والمواجهة، كما تبنى على جدلية التدمير والبناء.

ولعل هذا العلاقة هي التي جعلتها أكثر قربا من الطابع المميز للميتامسرح، وجعلت هذا الأخير، بالتالي، يرتبط بها في العديد من مراحل تطوره.

وهذا ما يؤكده شميلنغ نفسه حين يقول: "ليس اعتباطيا أن يكون المسرح داخل المسرح مرتبطا، في الغالب، بالمحاكاة الساخرة، أي بالشكل الذي يبحث بطبيعته عن المواجهة، وأن يكون حاملا لنوع من المسرح - المضاد المقابل لما يدعى بالمسرح البرجوازي".

وبغض النظر عن الالتباس الذي يحوم حول مفهوم المحاكاة الساخرة، والذي يجعلها تعن "تارة التشويه اللعبي، وتارة التحويل الساخر، وتارة المحاكاة الساخرة لأسلوب ما"، فإن هذه الممارسات أو الوظائف المختلفة التي ينجزها نص إزاء نص سابق عليه، تجعل من المحاكاة الساخرة نوعا من الميتالغة، حسب كلود أباستادو.

ونظرا لكونها كذلك، فهي تلعب دورا فعالا في تطوير الأشكال الأدبية، لا سيما وأن السخرية من نص ما هي، في نهاية المطاف، سخرية من النوع الذي ينتمي إليه ذلك النص.

ولعل امتداد التأثير من النص إلى النوع هو الذي جعل باتريسيا ووو Patricia Waugh تعتبر أن التحول الذي تخلقه المحاكاة الساخرة يمس بالضرورة النسق الأدبي بشكل عام.

 وعليه، فإذا نظرنا إلى المحاكاة الساخرة في السياق المسرحي، سنلاحظ أن الارتباط بالميتامسرح وبين هذا النوع الساخر قد تزامن مع منعطف أساسي في تاريخ المسرح الغربي وهو القرن الثامن عشر، الذي عرفت خلاله القيم الأدبية المنحدرة من العصر الكلاسيكي انقلابا حقيقيا.

فقد بلغت المحاكاة الساخرة أوجها خلال القرن الثامن عشر، وأصبحت مؤسسة حقيقية.
فمسرح المعرض والمسرح الإيطالي هما اللذان حولا كل الأنواع الدرامية الجادة تقريبا، كالأوبرا والتراجيديا، إلى سخرية.

لذا، وجد الميتامسرح في المحاكاة الساخرة للقرن الثامن عشر مجالا لوضع كل القيم الكلاسيكية موضع سخرية، سواء كانت قيما أخلاقية (الفضيلة، الواجب) أو جمالية (الجميل، الحقيقي، الذوق الجيد) أو أدبية (المسرحية المحكمة الصنعLa pièce bien faite).

وبهذا كان خير معبر عن روح العصر التي كان طابعها المميز- حسب شميلنغ - هو "صراع المسارح".

هذا الصراع الذي كانت له صلة قوية بتحولات الذوق العام ودينامية مواقف المتلقي إزاء أنواع المسرح القديمة والمستحدثة.

إن الميتامسرح حقق في إطار المحاكاة الساخرة هدفين أساسيين: الأول أدبي محض تمثل في خلق مواجهة بين قيم مسرحية قديمة وأخرى جديدة وفي قلب النسق الأدبي السائد، والثاني اجتماعي جعل من المسرح فنا شعبيا يخدم الفئات العريضة المشكلة للمجتمع، بحيث أصبحت التراجيديا - ذلك النوع النبيل الجاد - نوعا عاديا مطروحا كموضوع للسخرية بقيمه الأخلاقية والجمالية.

لهذا، فلا عجب أن نجد العديد من المسرحيين العالميين المعاصرين يستوحون المحاكاة الساخرة كإطار جمالي لممارسة نوع من المسرح المضاد، وللكشف عن البعد الإيديولوجي لبعض الأنواع الجادة، كما فعل بريشت مثلا مع الأوبرا في مسرحيته "أوبرا القروش الثلاثة".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال