الميتامسرح والتراجيكـوميديا.. مسرح غير نظامي وملجأ للكتاب الذين رفضوا ضغط القواعد وتعبير عن الجمالية الباروكية المرتبطة بالعصر الذي يقع بين عصر النهضة والعصر الكلاسيكي

التراجيكوميديا نوع درامي ظهر خلال العقود الأخيرة من القرن السادس عشر، وعرف تطورا ملحوظا خلال النصف الأول من القرن السابع عشر.

ويتميز هذا النوع بطابعه الكروتسكي Grotesque الذي يعكس خصائص فنية تعبر عما يسمى بالجمالية الباروكية، أي الجمالية المرتبطة بالعصر الذي يقع بين عصر النهضة والعصر الكلاسيكي.

 وإذا كان المظهر البارز لهذا النوع هو ما توحي به التسمية نفسها من مزج بين التراجيديا والكوميديا، فإن البعد الأعمق يكمن في كون التراجيكوميديا "مسرحا غير نظامي، وملجأ للكتاب الذين رفضوا ضغط القواعد".

إنها تعكس، إذن، موقفا نقديا إزاء صرامة القواعد، وإزاء الضغوط التي كانت تمارسها عقلية العلماء.

من ثم، يمكن النظر إلى المزج التي تقوم به التراجيكوميديا بين نوعين أحدهما جاد والثاني هازل، باعتباره إجراء ميتامسرحيا يضمر منظورا خاصا إزاء مفهوم النوع نفسه.

ويقوم هذا المنظور على التمرد ضد صفاء النوع الدرامي، وعلى إعادة النظر في ما تأسس من قواعد، والسماح بالتالي للكتاب بحرية أكبر للتصرف في مكونات العمل المسرحي، سواء على مستوى الموضوعات (الجاد إلى جانب الهازل)، أو الشخوص (النبيلة والشعبية)، أو الحكاية (البناء الروائي)، أو اللغة (المزج بين الشعري والعادي).

 وقد استطاعت التراجيكوميديا بهذه المكونات المرنة أن تراهن على ثلاث خصائص أساسية هي:
- الفرجوي Spectaculaire.
- المفاجئ Surprenant.
- المثير للعاطفة Pathétique.

كما تمكنت بتكوينها المرن المتحرر، وبخصائصها المثيرة أن تجذب إليها العديد من كتاب المسرح المعاصرين، إلى حد أن شميلنغ اعتبر ما كتبه هؤلاء، في هذا الإطار، تعبيرا عن بلوغ التراجيكوميديا مرحلة النضج، ويتجسد هذا النضج عبر مظهرين: أحدهما إيديولوجي والثاني جمالي.

فعبر هذا النوع التراجيكوميدي الذي يحمل في ذاته إيديولوجية عالم فوضوي ومستلب خاصة به؛ يمكننا التمييز بين لعب منخرط في الحياة السياسية رغم تأمليته من جهة، وبين لعب نرجسي نوعا ما مـن جهـة أخـرى، يتخـذ الشـروط الجمـاليـة والفنيـة للإيهام المسرحي بالخصـوص، موضوعا له.

 وعليه، نلاحظ أن التراجيكوميديا المعاصرة تتضمن ممارسة ميتامسرحية ذات أبعاد جمالية وإيديولوجية تعكس طبيعة المجتمع المعاصر باعتباره مجتمعا يقوم على الفوضى والاستيلاب وانقلاب القيم وتدمير الكيان الإنساني.

فعندما نقرأ أعمالا تراجيكوميدية لتشيخوف أو بيرانديلو أو جان جينيه أو يونسكو أو غيرهم، نجدها تتضمن تأملا عميقا في طبيعة المسرح وفي علاقته بالعالم والإنسان، بحيث يمكن القول إن مسرحة الواقع، بالنسبة لهؤلاء تتم بالضرورة عبر مسرحة المسرح نفسه؛ وكل نقد ينصب على مفهوم للمسرح هو نقد لتصور هذا المسرح عن الواقع.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال