الفساد والاستبداد عقبة أمام الإصلاح السياسي.. التسيب في ممارسة العمل الوظيفي فساد في السلوك الإنساني

بداية الانهيار على الصعيد الفردي والجماعي أن ينخر الفساد في جسد المرء، ويعشعش في نفسيته، ويمارسه كأمر طبيعي في حياته اليومية، مع نفسه ومع الآخرين، ولا تختلف الدولة في ممارسة أعضائها عن ممارسة الأفراد، لأن من يقوم به هو الإنسان ذاته، فالنفس البشرية واحدة في ممارساتها، بغض النظر عن الموقع الذي توجد فيه، في الشارع أو الوظيفة أو في المعاملات مع الناس، صغر هذا الموقع أو كبر الذي يشغله الإنسان.

الفساد بشقيه الإداري والمالي في الدولة عواقبه وخيمة على الدولة نفسها، فالتسيب في ممارسة العمل الوظيفي فساد في السلوك الإنساني، وهو إهدار للوقت الخاص بالعمل العام، الذي اؤتمن المواطن على أداء وظيفته فيه، الى جانب أنه يعتبر سرقة في حق المال العام، الذي هو ملك المجتمع، فيما يتقاضى من ورائه من رواتب، ويحقق من امتيازات، فالدولة التي لا تهتم بمراقبة الموظفين العاملين لديها، ولا تجعل لأدائهم الوظيفي ضوابط تحكم حسن الأداء والتمييز، فيما بين المجد المثابر والمتسيب المستهتر، ينخر جسدها الترهل، ولا تستطيع أداء واجباتها اتجاه مواطنيها، ومن الضروري تقديم هؤلاء المتسيبين، الذين يهدرون وقت المصلحة العامة للمساءلة الإدارية، حتى يتم وضع حد لهم، ومن أجل أن يكونوا عبرة لغيرهم.

الفساد المالي سرقة للمال العام، مال المجتمع، اعتداء على حقوق المواطنين، لأن لكل مواطن حق خاص في المال العام، ولأن هذا المال يتم تصريفه وإنفاقه على المصلحة العامة، التي تعني كل المواطنين، فهو اعتداء على جميع المواطنين، والدولة التي يستباح فيها المال العام من قبل موظفيها، صغروا أم كبروا في المواقع التي يشغلونها، دولة فاسدة لا تصلح لقيادة المجتمع وإدارة شؤونه، ووجب تغييرها بالقانون، ومحاسبتها على ما تقترفه أيادي أعضائها، من خلال تقديم هؤلاء للمساءلة القانونية، واستعادة المال المسروق.

إن الدولة التي يعم فيها الفساد، ويطبع سلوك أعضائها، في طريقها إلى ممارسة الاستبداد، لأنها في عدم قدرتها على معالجة الفساد، تلجأ إلى لجم الآخرين الذين ينتقدونها، ويطالبونها في أن تكون على مستوى المسؤولية، التي كلفها المجتمع بها، والفاسد في طبيعته عدواني، لأنه استساغ عدوانيته على حقوق الناس جميعا، ومن يتجرأ على المال العام يتجرأ على الاعتداء على المواطنين، فما المواطن إلا مجموعة سلوكيات وأعمال تعنى بالحقوق والواجبات، فالفاسد لا يقيم وزنا لأداء واجباته، ولا يقدم شيئا على ما يطلب منه من حقوق اتجاه الدولة والمجتمع.

إن الدولة التي تطمح أن تسير على النهج الديمقراطي تؤمن بمبدأ المساءلة، بحيث يكون الجميع مسؤولين أمام القانون، لينال كل واحد جزاءه على ما اقترفته يداه، أو سوّلت له نفسه في أن يخدش كرامة الوطن والمواطن، بالاعتداء على حقوقه، والمساءلة واحدة من ركائز النهج الديمقراطي، وإلا كيف تتم عملية المسيرة الديمقراطية في الانتخاب والترشيح والوصول إلى (مبدأ تداول السلطة).

إن المستبد فاسد لا محالة، فهو معتد على الناس في حقوقهم، ولا يؤمن بما يترتب عليه من واجبات كغيره من المواطنين، لأنه فوق الجميع، فلا قانون يردعه، ولا أخلاق تهذب سلوكه، ولا قيم وأعراف تقف حاجزا بينه وبين ما يريد أن يغتصبه، ومقولة المستبد العادل لا تصمد أمام التشخيص الدقيق فيها، لأن الاستبداد اعتداء صارخ باستخدام القوة في مواجهة الآخرين، ومن يمارس القوة كطريق للتعامل مع الآخرين بالضرورة، انه يلقي الرعب والخوف في قلوبهم، ويسوغ لنفسه الاعتداء عليهم، بما يقوم بتعميم الظلم عليهم بالتساوي.

إن الدولة أية دولة تتطلع إلى تطبيق النهج الديمقراطي، لابد وأن ينظم القانون علاقاتها مع المواطنين، وفيما بين سلطاتها قوانين ضابطة لحركة المجتمع والأفراد، في ظل دستور عادل، يتوخى أن يقيم العدل فيما بين أفراد المجتمع، وإلا فأن تسيب الدولة كنوع من أنواع الفساد، والاعتداء على الأداء الوظيفي بالإهمال واللامبالاة، في أداء الواجب وسرقة المال العام، سيؤدي إلى خراب الدولة وتفكيك أواصرها، تدفع باللجوء إلى ممارسة الاستبداد لفرض ديمومة الاستمرار، والمحافظة على الامتيازات التي تنالها.
غالب الفريحات
أحدث أقدم

نموذج الاتصال