الميتامسرح بنية نوعية.. المسرح داخل المسرح والأشكال المماثلة له تظهر أساسا في الكوميديا والمهزلة والتراجيكوميديا

لقد عرف تاريخ الممارسة المسرحية أشكالا مختلفة من الكتابة تجسدت في ما سمي بالأنواع الدرامية، بما فيها الأنواع، الكلاسيكية كالتراجيديا والكوميديا، والأنواع المستحدثة عبر المسار التاريخي للابداع المسرحي، ومنها الدراما المعروفة بالنوع الجاد والتراجيكوميديا التي يتم  المزج فيها بين عنصر المأساة والملهاة.

ومادامت الظاهرة الميتامسرحية ظاهرة قديمة قدم الأنواع الدرامية نفسها، فإن الوقوف على التجسيد النوعي Générique لهذه الظاهرة أمر في غاية الأهمية، لأنه يكشف لنا عن بعد آخر في شعرية الميتامسرح، وهو بعد العلاقة مع الأنواع الدرامية.

 صحيح أن هذه العلاقة تفترض وجود منطلق نظري واضح يؤمن بوجود أنواع قائمة الذات بخصائص مميزة وبنى ثابتة لا تقبل الاختراق؛ وهو أمر يعتقد الآن أنه أصبح متجاوزا في سياق نظرية الأنواع المعاصرة التي أصبح فيها مفهوم النص أو الكتابة يقوم مقام النوع، مما جعل مقولة "صفاء النوع" التي طالما دافعت عنها النظرية الكلاسيكية مقولة غير إجرائية نظرا لوجود أعمال تتداخل فيها الأبعاد النوعية بشكل كبير.      
  
  إلا أننا مع ذلك، نرى ضروة التمييز بين المظهر التاريخي والمظهر النظري للأنواع، لأن لهذا التمييز فائدة كبيرة في فك العديد من الالتباسات المحيطة بمسألة الأنواع. وانطلاقا منه، نرى أن الواقع الأدبي يؤكد تعايش تصورين متناقضين هما: وجود النوع وتدميره.

ولعل هذا ما يجعلنا نميل إلى الموقف الذي تحمله إحدى الدراسات التركيبية الأخيرة حول قضية الأنواع الأدبية، والتي يؤكد صاحبها أن "الأنواع الأدبية تعيش اليوم وضعا جيدا. صحيح أن الأعمال "المفتوحة" التي تعيد النظر في التصنيفات متعددة بالنسبة للغالبية الكبرى من الناشرين، والكتبيين، والمكلفين  بالخزانات، والنقاد أحيانا.

لهذا، يفضل كتاب مدرسي أو تاريخ أدبي ما - أمام الصعوبة الكبيرة التي يجدها في تصنيف أعمال ميشو، بونج أو جابيس ضمن طبقة نوعية ما - تجميع المؤلفين تحت يافطة "المبدعين"، وبالتالي في إطار "غير القابلين للتصنيف".

إلا أن طريقة كهذه - رغم أنها مبررة - ليس لها معنى إلا لأن مقولة النوع نفسها ماتزال موجودة".

انطلاقا من هذا الوضع المفارق الذي تعيشه الأنواع، والذي يجد ما يزكيه في المنحى الذي أخذته بعض هذه الأنواع التي على الرغم "من كونها عتيقة، إلا أنها ذات نزعة عبرتاريخية"، يمكن القول إن النظر إلى تجليات الميتامسرح في ضوء التمييز القائم بين الأنواع الدرامية أمر وارد. إلا أن التساؤل المطروح هو: ماهي الفائدة التي يمكن أن تجنيها شعرية الميتامسرح من ذلك؟

 يكمن الجواب في القيمة القرائية للنوع أولا، حيث يؤكد بافيس أن النوع، واختيار قراءة النص انطلاقا من قواعد هذا النوع أو ذاك، بالنسبة للقارئ / المتفرج، يقدم إشارة مباشرة حول الواقع المعروض، يمنح شبكة للقراءة ويشيد ميثاقا بين النص وقارئه.

وإذا ما علمنا أن الأجواء السائدة في التراجيديا مثلا، مخالفة تماما لما هو موجود في الكوميديا، فإن هذه المعرفة مهمة جدا في إبراز التلوينات التي يتخذها الميتامسرح في هذا النوع أو ذاك، وفي الكشف عن العلاقة القائمة بين مكوناتهما وبين الميتامسرح.

فطابع الضحك والهزل والنقد اللاذع في الكوميديا يطبع بشكل واضح نوعية الخطاب الميتامسرحي الذي يمكن أن يحمله هذا النوع.

لكن قبل تفصيل الحديث في علاقة الميتامسرح بالأنواع الدرامية، لابأس أن نشير إلى أن شميلنغ قد أصاب عندما أكد على أن الميتامسرح لا يرتبط بالأنواع الهازلة فحسب، حيث قال: "لقد اعتاد النقد الأدبي ربط طرق المضاعفة المسرحية بالنوع الكوميدي، لأن وعي اللعب داخل المسرح يكشف الأحداث أو يسخر منها، كما يضع المتفرج في وضعية تسام إزاء ما يدور فوق الخشبة.

إلا أن الأمر هنا يتعلق بنظرة جد سطحية، لأنه إذا كان صحيحا أن المسرح داخل المسرح والأشكال المماثلة له تظهر أساسا في الكوميديا والمهزلة والتراجيكوميديا ..إلخ، فإن النوع الجاد أيضا، بما فيه التراجيديا والدراما، يستعمل هذه الطرق نفسها".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال