التأثيرات الاجتماعية والسياسية لثقافة الصورة.. التحوّل في القيم والتطبيع مع العنف والخنوع

 إن الصورة عبر وسائل الاتصال الحديثة قد قلبت تماما دور المجتمع عامة والأسرة خاصة واغتصبت الذات وانتهكت الحرمات الخصوصية علنا جهارا نهارا ودون أية علامات استفهام  لهذا الواقع الذي يعرض علينا ومساءلة علاقته بالواقع الذي نعيشه.

نحن بامس الحاجة الى تلفزيون عربي  ذو برامج تساعد على التنشئة الاجتماعية والتربوية لأجل تربية الناشئة العربية على الالتزام وان نبتعد عن التطبيع و الانكشاف حيث القبول بكشف كل عوراتنا وانهاء هذه الظواهر الناشئة عن تأثير وسائل الاتصال الحديثة كالتحوّل في القيم والتطبيع مع العنف والخنوع والإذلال) التي أصبحت حالة مطلوبة من  التلفزيون ومطالب بها ممن هو اعلى من الدولة لجهات عليا صاحبة القرار ان يوجهها بهذا الاتجاه.

نجحت  الصورة وثقافتها في إحداث تغييرات جذرية على السلوك الاجتماعي الثقافي الممارس للجماعات  والأفراد.
ولم تسلم من هذه التأثيرات المجتمعات ذات التركيب الاجتماعي التقليدي والثقافات المحافظة، أو تلك التي تعيش حراكا دائبا على المستوى الاجتماعي وانفتاحا على المستوى الثقافي.

إن هذه التغييرات التي لا تعبّر بالضرورة عن اشكال من التفاعل الحقيقي بين وسائل الاتصال الحديثة والمضامين التي تمرّرها وبين المجتمعات والثقافات التي اخترقتها هذه الثقافة وانفتحت طوعا عليها.

لقد انعكست ثقافة الصورة على الأفراد والمجموعات من خلال تأثيرات التلفزيون على العلاقات الاجتماعية لأن المجتمع يرتبط ارتباطا متزايدا بالمعرفة في شكلها المعلوماتي وبتقنية الاتصالات والتأثير عن بعد في مجال المعلوماتية والوسائل المسموعة والمرئيّة، التي أصبحت تخترق الزمان والمكان، واصبح التقبّل امرا حتميا وهي ثقافة عامة الشعب التي انتشرت خاصة مع انتشار المسلسلات والبرامج التلفزونية الأمريكية التي أثارت جدلا عريضا في أوروبا وخاصة في فرنسا.

أما في البلاد العربية فهناك من يشجع عليها ولا يوجد مصدر حكومي وخاصة في دول الخليج  ودول أخرى  من يطالب بالاستثناء الثقافي لحماية الثقافة الوطنية من أنماط السلوك والتفكير التي تروّج لها تلك البرامج المعولمة الصورة وانتشارها ومركزيتها ثمّ تسييسها، حيث أصبحنا نعيش حرب الصور والرموز التي عشناها مع حرب الخليج الثانية والحرب الامريكية على العراق وسقوط بغداد، ورأينا كيف يُجهز جندي أمريكي على عجوز يجلس في بيت من بيوت الله في الفلوجة، وكيف تخترق عشرات الطلقات جسد طفل فلسطيني مع أبيه جوار الحرم القدسي.

وقد انتقلت هذه الصور عبر العالم، والمجثمع العربي صامت ومخدر بفعل الصورة في حين تظاهر احرار العالم على هول المجازر التي ترتكب على المجتمع العربي في العراق وفلسطين والسودان ....والخ. (باعتبار ان ثورة الاتصالات هي المدخل الذي دخل علينا بدون استئذان وكانت هناك استجابات وقبول وبفعل الاحتكار الامريكي للاعلام وخوضه حربَ رموز صورية ذات ابعاد كثيرة في تاثيراتها الاجتماعية، بل أيضا لإبراز الهيمنة الامريكية على العالم. في حين  يمنعون برامج ومسلسلات عربية تدافع عن القضية الفلسطينية وتبرز أبعاد مأساة الشعب الفلسطيني ممّا يؤكد ان حرب الصور وحرب الرموز حرب غير متكافئة.

بالاضافة الى ذهاب هذه الحرب الى تطويع المتفرّج وقبوله او تطبيعه مع العُنْف المُرَوّج (النظام الاجتماعي بأكمله بدأ يفقد شيئاً فشيئاً قدرته على الاحتفاظ بماضيه هو ذاته. إنه يعيش في حاضر أبدي. الماضي القريب يصبح تاريخاً بعيداً، مما يطمس المرجعيات الاجتماعية".

لقد اخترقت الصورة كل الحجب الموضوعة لتدخل في صميم التكوين النفسي والعقلي لمجتمعنا، وإذا كنا جميعا في الفترة الحالية مخضرمين أو واقعين بين فإن الأجيال التالية لنا بقليل أو كثير ستكون تحولات ثقافية واجتماعية كبيرة وكثيرة.

هذه التحولات التي تنتج داخل البيت الواحد وتخلق حالات من الفزع النفسي والعقلي أمام كثرتها وتداولها الكبير، والمجتمع بحكم تقليديته فإنه يحاول الانغلاق على نفسه انغلاقاً يجعل منه في الأخير قنبلة موقوتة.

وحين تصبح كل الوسائل متاحة للعقل الذي لم يتعود غير انغلاقيته فلابد من تفريغ الشحنات المكبوتة من خلال هذه الوسائل.

ثم.. إن التعامل مع الصورة يحتاج إلى نوع من القراءة خاص، أي أننا لا يمكننا أن نقرأها من ثنائية الرفض أو القبول، ذلك أننا لا نملك خيار الرفض والقبول في استقبالها في الأساس.

فالتعامل معها يتم بشكل حضاري وشفاف، اما برامج تلفزيون الواقع العربي الاجتماعية والسياسية  فانه يعيش عالم الاغتراب في بلده وقد يكون مفروضا عليه وقد اطلق البعض عليه بانه تلفزيون الترويج لثقافة الطاعة والانقياد والخضوع وتلفزيون المزابل والبعض الاخر يطلق عليه بتلفزيون القمامة المستهلكة للأخلاق العامة.

إن معظم الصور في الأفلام الأمريكية والمنتجة في الغرب افترضت بداهة "ان سيادة القوى الإمبريالية باقية أبدا، وبأن هيمنة هذه القوى على الشعوب والأمم غير الاوروبية كالقضاء والقدَر الذي لا رادّ له" الا أنّ أرادات الشعوب وثقافاتها المقاومة كانت لها الغلبة في نهاية المطاف.

إن وسائل الاعلام مدعوّة الى ان تستمدّ مضامينها من اتساقها مع الحياة اليومية للمجتمع بمقاربة تُزاوِجُ فيها بين وظائفها الرئيسية وهي الإخبار والتثقيف والترفيه والرقابة على البيئة، كما ان هذه الوسائل مدعوّة الى مواجهة تحديات خارجية وداخلية جمّة ومنافسة شديدة وهو ما يتطلّب اعتمادها على كل مقومات الثقافة، بالإضافة الى اداء وظيفتها في مناخ تسوده حرية الرأي والتعبير وتشارك فيه كل الكفاءات الوطنية القادرة على الابداع والتجديد والتواصل مع الآخرمن خلال، اللغة والفكر بجميع مستوياته، والعلم والمعرفة، بالاضافة الى العقائد والديانات والقيم والاعراف الثقافية، والرموز، إن احدى أبرز الخاصيات الأساسية للرموز الثقافية، هي سرعة الانتقال.

وقد تزامن نسق سرعة انتقالها مع بروز وسائل الاتصال الحديثة وانتشارها في الزمان والمكان واختراقها لنسيج المجتمعات والثقافات االتي هي المقوّمات الأساسية لثقافة البلد و التي تميّز الجنس البشري ان الثقافة الأوروبية كانت دائما داعمة للآلة الاقتصادية والسياسية الكامنة في المركز المادي من الامبريالية، بحيث يمكن الكشف عن التواطؤ الكلي والتشابك الحميمي بينها وبين الامبريالية.

ولكن هل ستقاوم الثقافة الشعبية بالقدر الذي يمنحها قدرة على الامتداد والبقاء رغم شراسة هجمة ثقافة العولمة الذاهبة في اتجاه تمييع الثقافات المحلية الرسمية وغير الرسمية أهمية التراث باعتباره احدى التعبيرات الثقافية المرتبطة بالهوية والجذور وانه ملك المجتمع ولا يحق لأية جهة التفرد به.. ولأنه ملك للجميع فهو يحتاج الى عناية العديد من الأطراف والى العديد من المختصين بعيدًا عن ايّة نظرة دونية بعيدا عن محاولات التشويه التي تلحق بالتعبيرات الثقافية التراثية وتقديمها على سبيل العرض كمومياء ميتة لاروح فيها، وبطريقة مندثرة، في حين انها تسكن روحية النسيج الاجتماعي.
كما تكمن في ذاكرتنا وضمائرنا ووجداننا، إن رعاية التراث والعناية به وحفظه وتطويره وتوظيف وسائل الاتصال الحديثة في هذا الاتجاه. وضرورة الارتقاء بالتراث الى مستوى الاشكالية العلمية بدلا من مقاربته بشكل التعاطف أو الانفعال، ومنها التساؤل عن مشروعية الحديث عن حيوية التراث في حالة اندثار أو تحوّل البنى الاجتماعية التقليدية التي قامت على انتاجه.

علينا إأن نصون كل النتاج التراثي الثقافي  الذي له ارتباط مباشر بالقيم الاجتماعية والفلكلورية الأصيلة التي أرساها المجتمع.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال