شروط كتابة السيرة الذاتية.. الإبداعية الواسعة والإنشائية العلمية التي لا تميز بين الثقافات المختلفة والتجارب الفردية

إن السيرة الذاتية تكتب مرة واحدة فقط لاتكتبها مرارا، لأن نص السيرة الذاتية نصا مهما في حياته الأدبية و الاجتماعية عند صاحبه الذي كتبه وكان نفسه موضوعا له في ذلك الوقت، ولأن السيرة الذاتية تكتب بعد الخمسين عاما من عمره عادة، وأن جميع التدريبات في السيرة الذاتية يجب أن تكون فيها التعميم، ومن الناحية الهيكلية، وعمل التذكير يجب أن يكون واضحا تماما في نتاج التذكير العملية،[1] وأن كتابة السيرة هي كتابة غير عادية بالنسبة إلى الذي يكتبها والذي يقرؤها، وعلى هذا النحو تخضع لشروط خاصة تتصل بفعل الكتابة لا بالكتابة ذاتها.

وإذا قبلنا أن السيرة الذاتية يمكن أن تمثل جنسا أدبيا فليس حق لنا أن نسأل القصاص أو الروائي أو الشاعر أو غيرهم من المبدعين أين ومتى ولماذا كتب نصه ولكن كاتب الترجمة الشخصية محكوم بأسئلة الزمان والمكان والموضوع: متى وأين ولماذا؟

إن السيرة الذاتية ليست هي من تقاليد الثقافة العربية، ولكن العرب مع تطور نهضتهم الأدبية استوعبوا أجناسا أدبية لم تكن راسخة التقاليد في الثقافة العربية عموما ولذلك سيكون وضع السيرة الذاتية أشبه بوضع الرواية وفن المسرح والقصة القصيرة وغيرها من الفنون الأدبية الأخرى التي جاءت إلى ثقافة العربية نتيجة علاقتها المباشرة وغير المباشرة بالحضارة الغربية عموما.

فالدكتور طه حسين الذي ألف "الأيام" التي تعتبر حتى الآن النص التأسيسي للسيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث هي نتاج هذا اللقاء الفاعل بالحضارة الغربية عموما والثقافة الأوربية بصفة خاصة، ونشأت السيرة الذاتية مع كتاب "الأيام" نوعا أدبيا استوفى شروطه الفنية.[2].

ثمة إذن شروط عامة لفن السيرة الذاتية ومنها تحديدها أن تكون إبداعية واسعة ويعتبر أن هذا الفن الأدبي الحديث لايصح إلا بها ويعرضونها على أساس أنها شروط إنشائية علمية لاتميز بين الثقافات المختلفة ولا تفصل بين التجارب الفردية وهي شروط تتصل بالزمان والمكان والغايات والأسباب.

وإن كاتب السيرة الذاتية ليس كاتبا عاديا ـ كما ذكرنا آنفاـ أن الذي يكتبها هو من بلغ شوطا كبيرا من حياته الأدبية أو الفكرية أو السياسية أو المهنية العامة، ولكن هذا يعتبر في السيرة الذاتية في معناها العام، فلا أحد يشك في أن طه حسين عندما ألف كتابه "الأيام" فكان شخصية ثقافية كبيرة بل كان شخصية إشكالية بسبب آرائه الجريئة في الأدب ولاسيما عندما نشر كتابه "في الشعر الجاهلي" وكذلك عباس محمود العقاد وإبراهيم عبدالقادر المازني كلاهما كان شاعرا وكلاهما كان ناقدا أدبيا ولكنهما كانا على رأس "مدرسة أدبية نقدية" (مدرسة الديوان) كاتبين مجادلين حادين في جدالهما خاضا معا في معارك أدبية، وأحمد أمين جاء من القضاء إلى الأدب فقد لفت أنظار القراء بإسلامياته وقد أضحت هذه المؤلفات مرجعا أساسيا في تطور الثقافة العربية[3].

إن هذه الأمثلة التي قدمناها وهي من نصوص مدونة للسيرة الذاتية العربية تؤكد أن كاتب السيرة الذاتية هو أقرب إلى الشخصيات العامة في أغلب الأحيان عموما فليس من اللازم أن يكون كاتب السيرة الذاتية من ذوي الشهرة دائما.

[1]- The Critique of Autobiography, By Marc Eli Blanchard, Page:111-112.
[2]- L Autobiographie, by Georges May, التعريب باسم: (السيرة الذاتية)، بقلم  عبد الله صولة ومحمد القاضي، ص:28.
[3]- "أوراقي.. حياتي" لنوال السعداوي، ج2، ص: 7.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال