النقاء والطهر والحنان والخير أساسٌ للتوزان الاجتماعي في مجموعة (شظايا الورد) لعائشة جلال الدين

تؤكد الكاتبة عائشة جلال الدين في مجموعتها (شظايا الورد) في إطار حيّز (الرؤية) أن الواقع ظالم، وغير بريء وتفتتحُ ذلك بسؤال مؤلم (من أنا؟).
وتبين الأسباب في موقع آخر قائلة:
وأنا التي أحيا هنا من غيرِ شمسٍ أو حياةٍ أو قلوب
ماذا سأفعلُ بالحياةِ ونهرُها قد جفّفتهُ يدُ النضوب
ويلاهُ يا أرضَ الجنوبْ

وبما أن الواقع كذلك فهي تتساءل:
أينَ المفرُّ؟
وكل التماسيح بصدري تمزّقُ أضلعي وحياتي

وتفصّل ذلك في مكان آخر بقولها:
كل الوجوه غريبةٌ مع أنها إنسانْ
لاالطين يعشقُ أرضَنا
لا الماءُ يعرفُ أصلَنا
كلُّ العيونِ غريبةُ النظراتِ
تجري دونما عنوان ، لكننا
والحقدُ يسكنُ روحَنا
والغيُّ يُحرقُ بوحَنا
تنتابُنا كتلٌ من الطغيانْ

وأول قرار تأخذه الكاتبة - كردِّ فعل على ذلك - الهرب إلى الطبيعة.
وتكاد تُجمع أغلب النصوص علـى ذلك.
ففي المجموعة شـوقٌ جارفٌ إلى الطبيعة، وحنين لايكاد ينتهي.
ولذلك فقد كانت الكاتبـة تستخدم الطبيعة فضاءً جميلاً مفتوحاً في مواجهة قبحِ الواقع المغلق.

ومن الميزات التي تُحمد للكاتبة أنها تعرف جيداً ماتريد، ولذلك جاء رفضُها للواقع - في الرؤية - مشروعاً ومبرراً على الأقل من وجهة الموقف الفني المعبَّر عنه في المجموعة.

ولا يقل الأمر عن ذلك - في إطار الرؤيا - فهي أيضاً واضحة، والبدائل المطروحة فيها تُشكّل مجتمعةً مع الطبيعة بديلاً موضوعياً للرؤية، أو خطاً موازياً لإصلاحها.

وقد ارتكزت الرؤيا على عدّة أسس سعت الكاتبة أن ترسم من خلالها مشروعَها لبديلٍ معرفي يحكُم العلاقات الإنسانية والفرد مقابل التشوه في الواقع.

والبديل الأول هو الإيمان بالله كأساس لتوازن الفرد:
يا أمتي هيا تعالي واهتفي كل الرؤى متشابكهْ
لبيكَ يا ربي محيطاً بالحجيجِ ولا نحيطُ مداركَهْ

والبديل الثاني هو الحب كأساس للتوازن الاجتماعي:
كيف لي هجرُ الهوى وهـو انتحارٌ ظالمٌ قاسٍ وباطلْ
والضياعُ المرُّ إن سافرتُ يوماً في ذرا تلكَ المجاهل

ويؤكد ذلك قولها:
أنتَ عمري أنتَ حبي أنتَ قلبي
أنتَ آهاتي التي  أشتاقُ أن أحيا مَدَاها
أينَ سافرتَ حبيبي؟ (92)، وأنظركذلك ( 14و57 و84).

وتشتق الكاتبةُ مـن البديلين المذكورين مفرداتٍ مثـل: النقاء والطُّهـر والحنان والخير (18، و26، 28 ).
أما البديل الثالث فيتمثل في العودة إلى الماضي الذاتي للكاتبة، فكما الحنين جارفٌ إلى الطبيعة، كذلك الحنين إلى الطفولة الجميلة:
هل أعودُ يا أمي صغيرهْ
أرتدي ثوبي وألهو بشريطاتِ الضفيرهْ
أحملُ الأفراحَ في جيـبي وتحلو لي الأماني
والهنيهات الوثيرهْ
وأغانيّ الجميله تحتَ أفنان الخميلهْ (30) ، وأيضاً ( 26و28و100)

ولهذا السبب كانت الكاتبة تركّز على الفعل الماضي.
ولا بد من الإشارة إلى أن البدائل الثلاثة المذكورة للرؤيا ومنحنياتها جاءت متناغمة مع بعضها بعضاً ؛ فالإيمان بالله يتطلب من الإنسان النقاء والصفاء ونظافة القلب، وكل ذلك ينسجمُ وصفاء الطبيعة التي تلازم معظم النصوص.

إن الحياة الجميلة الإيمانية الصافية لا تكتمل إلا بالحماية، ولا يكون ذلك إلا بالمقاومة والجهاد، وهذان المفهومان يشكّلان مجتمعَين البديلَ الرابع للرؤيا:
 يا أيها السائرُ في تلكَ البلادْ
نادِ العبادَ لعلّهم يتسرّبون إلى الجهادْ

يتبين لنا مما سبق أن البديل الموضوعي للرؤية جاء متكاملاً ومنطقياً، وهو أيضاً مشروعٌ من الناحية الاجتماعية؛ لأن المجتمع قادر على تنفيذه لو أراد ذلك.

وقد أبانت الكاتبة أن (الرؤية قبيحة)، وبديلُها الموضوعي (قيمة الجميل)، وهي ما شكّلته البدائل الأربعة السابقة، وعبّرت عنه الرؤيا.

إن كل ما أوردته الكاتبةُ في الرؤية والرؤيا من عناصرَ منطقيٌّ من الوجهة النظرية، لكن المشكلة لاتتركّز هنا، وإنما تكمن في الشكل الجمالي الذي عبرت به الكاتبة عن مشروعها.

برأينا أن ما ذهبت إليه الكاتبة يمكن التعبير عنه نثراً، وفي خبر إعلامي، وفي كل أشكال الكتابة الموضوعية.
والنقطة الرئيسية هنا: هـل عبرت الكاتبة عن ذلك شعراً؟

نعتقد أنها أخفقت في ذلك في أغلب النصوص.
ومما يُدلل على هذا الإخفاق القلقُ في اختيار الشكل المعماري للنصوص؛ فهو يتوزع بيبن العمود والتفعيلة والنثر، وكذلك القلقُ في طبيعة البنية الفنية للنص نفسه؛ فهناك - لو تجاوزنا الكسر الشديد في أغلب نصوص العمود - ضعفٌ شديد في تركيب الجملة الشعرية الذي أوقع أغلب النصوص في نثرية ثقيلة غير مقبولة حتى في النثر.

ولعل النصَّ التالي الذي اخترناه اعتباطاً يؤكّد ما نذهبُ إليه:
أدمى السُّرى على المدى خطواتي
وتناهبت سبُلُ الضَّلالِ حياتي
وبحثي في مدى سنواتي
عن لفتةِ الحبِّ
عن طُهْرِ قلبٍ
عن حنان مضمخٍ النفحاتِ
عن أيادٍ تعمرُ بالخير
يسكنها هواي وعشقي
وبعضُ أمنياتي
عن ورودٍ عطرُها غجريٌّ صخريٌّ
خلفَ غيوم شلالاتي
أينَ أغنياتي؟
أين أمنياتي؟

وهكذا يجري النص، وتجري معظم النصوص.
يُلاحظ أنه - على الرغم من المباشرة التي هي ضد الشعر وكذلك التقريرية - هناك تحوّلات غريبة في النص تدلّ على سذاجة وهبوط كبيرين في تركيب الجمل وبناء الحالة.

فالكاتبة لم تعبّر فحسب، وإنما لم تحقّق الحد الأدنى من التعبير.
ومـن هذا القبيل أيضاً ما ورد في الصفحات التالية: (93، 109، 114، 118، 135، 140 وغيرها).

ونضيف إلى مـا تقدّم التكرار غير الموظَّف ليس في المفردات والجمل والتراكيب فحسب، وإنما تعـدّى ذلك إلى تكرار (النصوص)؛ فنصوص  حقيبة مسافر 79)، و(إليك حبيب 83)، و(ساعة حب 87)، و(مد وجزر 95) تكاد تكوِّنُ حالة واحدة، ولا يمكن ملاحظة التمايز بينها على الرغم من أنها نصوص منفصلة فـي المحتوى والتركيب والمفردات والبناء وكذلك نصوص (28، و53، و100).

ومما أوقعت الكاتبة نفسها فيه سقوطُها في فخّ التناص غير الموفق.
ومن ذلك قولها:
أهديتُكَ  إشـعاعَ  حياتي -- فغدرتَ  وماتتْ  أنواري
اخترتُ الموتَ على الصّدرِ -- واخترتُ  دفاترَ  أشعاري

وهو تناص مبتذل لقول نزار قباني: (إني خيرتُكِ فاختاري / ما بين الموت على صدري / أو بين دفاترِ أشعادري / اختاري الحب أو اللاحبَّ / وجبنٌ ألا تختاري / لاتوجد منطقةٌ وسطى مابين الجنة والنار).

لقد عبّرت مجموعةُ عائشة جلال الدين (شظايا الورد) بوضوح عن نفسها ومشروعها المعرفي، وهذا مما يُحسَبُ لها، لكنها أخفقت في تقديم معظمِ ذلك شعراً.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال