علاقة السيرة الذاتية بالتاريخ.. بين الصدق التاريخي والصدق الفني والبعد عن الخيال وسيطرة العاطفة

إن صلة السيرة الذاتية بالتاريخ صلة قوية، ذلك لأنهما يشتركان في تسجيل الوقائع والأحداث والمواقف في تصوير مختلف البيئات والمآثر، والكشف عن الصور المادية والنفسية وإذا كانت السيرة الذاتية تنبع من صلب الأدب بخلاف التاريخ بالطبع العلمي فهذا لايعني أن الحس التاريخي منعدم في كتابة التاريخ الخاص الفردي، بل إنه على العكس حاضر بأبعاده الثلاثة المتمثلة في الماضي، والحاضر، والمستقبل، والظاهر لأول وهلة أن الترجمة الشخصية تتخذ موقعا وسطا بين الأدب والتاريخ، وإذا ننظر أكثر في طبيعة هذا الجنس الأدبي نصل إلى تعبير دقيق عميق من حيث حمولته الدلالية، وهو أن هذا اللون من التعبير تتجاذبه قوتان: سلطة الأدب وقوة التاريخ، لأن الكاتب يصوغ تاريخه الخاص صياغة أدبية، وبسبب واقع التجاوب بين الأدب و التاريخ تتميز السيرة الذاتية عن باقي جسد التاريخ العام مع أن الأصل في التاريخ الإنساني هو مجموع التواريخ الخاصة، سواء الفردية منها أم الجماعية، وأن الترجمة الذاتية لاتسقط من فضائها، وإن كان الزمن في الترجمة الذاتية الإسلامية الحديثة يرتبط بالعودة إلى مرحلة أو عدة مراحل وهي في ذات الوقت عودة إلى فضاءات وتاريخ يلتقي فيه ويتكامل التاريخ الفردي والجماعي وأنها عودة تجد في الكتابة حاضرها وفي الذاكرة ماضيها، ولاريب أن المسافة بين الكتابة والذاكرة أو بين الحاضر و الماضي تاريخية وسردية في آن واحد.[1]
وما من شك في أن للحس التاريخي دورا كبيرا وتأثيرا مباشرا في إدراج نص السيرة الذاتية و عرضها، وفي تحديد البناء العام لكل تاريخ فردي.
إن السيرة الشخصية أكثر نبضا من التاريخ بالحياة والتجارب الفردية بحكم محورية الذات الفردية في هذا اللون من التعبير من جهة وثانوية الأحداث من جهة ثانية ومن السهل أن نتنبه إلى كون التاريخ أحد وجوه فتنة هذا الجنس الأدبي، إن التاريخ يجري وراء الحقيقة باحثا وممحصا ثم مبددا لأيّ غموض في عديد جوانب الحياة الإنسانية،[2] فالسيرة الذاتية تقتفي أثر الحياة في ذات الإنسان وكانت ولاتزال أكثر احتفالا بالأدب الذاتي من كل ألوان التاريخ حتى أن التاريخ يعبر عن مدى غنى الحياة الداخلية للإنسان وأن السيرة الشخصية هي ملتقى الحق الأدبي والحق التاريخي.
وهناك عدة أمور تبعد أن السيرة الذاتية من الأدب وتقربها من كتب التاريخ وهي كما يلي:
1- الالتزام في كتابة السيرة الذاتية بالصدق التاريخي ليس بالصدق الفني وأن هذا الالتزام يجعل الكاتب أن يقف عند الحقائق، يعرضها ويرتبها ترتيبا خاصا فيضعف عنصر الخيال الذي كان يمكن أن يجعل من السيرة قصة ممتعة وجذابة.
2- البعد عن سيطرة العاطفة على مايصدره من أحكام فكاتب السيرة الذاتية له ضروري ألايسخر الأحكام وا لوقائع والأحداث لعاطفته، فإن ازدياد العاطفة ينحرف بالسيرة عن وضعها الطبعي.[3]
[1]- The Autobiography and Life History, By, Percival M.Symonds, Page:206.
[2]- The Autobiography in Modern Arab Literature and Culture, By, Thomas Philipp, Page:577-578
[3]- "فن السيرة" للدكتور إحسان عباس، ص:88-103، و"الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث" ليحيى إبراهيم عبد الحليم، ص:5-26، و The Autobiography and life of History, By Percival M. Symonds, Page:207-209.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال