المنظور التعبيري.. الأسلوب الذي تعبّر الشخصية من خلاله عن نفسها ضمن تنظيرات المنهج البنيوي في تقنيات السرد الروائي

إذا كان (المنظور الإيديولوجي) هو منظومة القيم التي تحكم الشخصية من خلالها على العالم المحيط بها، و(المنظور النفسي) هو الزاوية التي تقدم من خلالها العالم التخييلي، فإن (المنظور التعبيري) هو الأسلوب الذي تعبّر الشخصية من خلاله عن نفسها.

وبما أن القصّ يقوم على راوٍ يأخذ على عاتقه سرد الحوادث ووصف الأماكن وتقديم الشخصيات ونقل كلامها والتعبير عن أفكارها ومشاعرها، فإن علاقة دينامية توجد بين كلام الشخصية المنقول وكلام الراوي الناقل.

وهذه العلاقة معقدة ومتداخلة حيث قد ينقل الراوي كلام الشخصية بحذافيره. وقد يصبغه بصبغته الخاصة.

ومن هنا تأتي مستويات مختلفة في المنظور التعبيري، وقد يقترب منظور الراوي من منظور الشخصية، وقد يبتعد عنه، فالحوار مثلاً يُعتبر أقرب الصيغ إلى منظور الشخصية.

والسرد يُعتبر أبعد الصيغ عنه.
فالحوار يُقدّم بلا وساطة كصيغة مستقلة قائلها معروف ويعبر عن نفسه بطريقة مباشرة.
أما إذا أدخل قول الشخصية في سياق القصّ وتولّى الراوي نقله فيحدث تداخل بين القولين، ويصبح الصوت مزدوجاً.

ويفرِّق النحو التقليدي بين أسلوبين في نقل كلام الغير، هما: الأسلوب المباشر، والأسلوب غير المباشر.
فإذا نقل الراوي كلام غيره كما هو لجأ إلى الأسلوب المباشر، أما إذا أدخله في سياق كلامه فإنه يلجأ إلى الأسلوب غير المباشر.
ويقوم القص التقليدي على توالي هذين الأسلوبين.

والنقل من تركيب إلى تركيب يُفقد الجملة أبعادها النفسية التي تربطها بقائلها، ويُضفي عليها ظلالاً من أسلوب الناقل، فإذا أخذنا على سبيل المثال الجملة التالية: (قال: ما أسعدني!) وحوّلناها إلى أسلوب غير مباشر تصبح (قال إنه جدّ سعيد): فقدت الجملة التعجيبية بنيتها الإنشائية وتحوّلت إلى جملة خبرية. وقد استخدم محفوظ الأسلوبين، إضافة إلى الأسلوب المباشر الحر.

وهكذا وضعت الباحثة تنظيرات المنهج البنيوي في تقنيات السرد الروائي، ولم تحلل عملاً روائياً تحليلاً بنيوياً، وإنما اكتفت بإيراد أمثلة من (ثلاثية) نجيب محفوظ على ما ذهبت إليه من عرض لهذه التقنيات (الزمان، والمكان، والمنظور) فكان لها فضل الريادة في استقدام مصطلحات السرد البنيوي في مرحلتها، وتجاوز المصطلحات التقليدية للرواية من مثل: الحبكة، والحوار، والعقدة، والشخصيات.. الخ مما كان يراوح عنده النقاد التقليديون.

وتقع محاولتها هذه مع مقاربات (موريس أبو ناصر) في عمق المنهج البنيوي الشكلي، على الرغم من أنه اتجه إلى التحليل البنيوي الشكلي، واتجهت هي إلى عرض تقنيات السرد الروائي في المنهج البنيوي والتمثيل لها من (ثلاثية) نجيب محفوظ.

وعلى الرغم من تعدد المصادر والمراجع التي استقت منها فإنها تخلّصت من الاضطراب الذي يمكن أن يوقعها فيه مثل هذا التعدد والتداخل.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال