لقد وجد "صراع المسارح" في بعض التجارب المسرحية الغربية مجالا خصبا لاستعمال إمكاناته النقدية القائمة على صراع المواقف الجمالية والإيديولوجية بشكل تبلورت معه ممارسة درامية جديدة ومتميزة تمثلت في ما عرف بالمرتجلة L’Impromptu.
والمرتجلة -حسب تعريف باتريس بافيس في معجمه المسرحي-: "مسرحية مرتجلة، أو على الأقل مسرحية تقدم نفسها باعتبارها كذلك، أي تصطنع الارتجال حول إبداعي مسرحي تماما مثلما يرتجل الموسيقي حول موضوعة معطاة.
فالممثلون يوحون بأنهم مطالبون بخلق حكاية وتمثيل شخصيات، أي بأنهم يرتجلون حقيقة [...] وباعتبارها نوعا ذاتي المرجعية Autoréférentif (أي يحيل على ذاته ويبدعها في فعل تلفظه نفسه)، تضع المرتجلة المؤلف على الخشبة، تدمجه في الحدث وتقوم بتجويف إبداعه.
وبهذا تشيد مسرحا داخل مسرح، وتركز على شروط الإبداع واحتمالاته وصعوباته، وتعرض أيضا الشروط الجمالية والسوسيو- اقتصادية للعمل المسرحي.
يختصر هذا التعريف أهم مكونات المرتجلة ويشير إلى خصائصها.
فهي نوع يقوم على أساس الارتجال Improvisation ، أو بعبارة أدق على الإيحاء بالارتجال.
وهنا يكمن الفرق بينها وبين بعض أشكال الارتجال الأخرى والعديدة التي عرفها المسرح الغربي، ومنها - على سبيل المثال لا الحصر - الكوميديا ديلارتي التي ينطلق الارتجال فيها من خطاطة Canevas معروفة ومحددة بدقة.
وبالإضافة إلى الإيحاء بالارتجال، تقوم المرتجلة على تقنية المسرح داخل المسرح، وهي عبارة عن تمسرح مضاعف تقوم المسرحية من خلاله بخلق بنية حكائية مستقلة أو مدمجة داخل بنية النص الكبرى، وقد تكون هذه البنية الثانية أو المضاعفة عبارة عن مسرحية صغرى أو حلم مدمج.
ولهذين المكونين الأساسيين - أي الارتجال والمسرح داخل المسرح - دور كبير في إبراز خاصيتين ميتامسرحيتين في المرتجلة تتمثلان في: المرجعية الذاتية Autoréferentialité والموضوعاتية الذاتية Autothématisme.
تتبدى الخاصية الأولى في مسرحة المرتجلة لمؤلفها من خلال وضعه في قلب الحدث المسرحي وإخراجه إلى الواجهة كي يقول كلمته ويعبر عن رأيه مباشرة وبدون وسيط.
لذا، فكاتب المرتجلة، من هذه الزاوية، ينطبق عليه مفهوم المؤلف - الملحمي كما حدده سارازاك في كتابه "مستقبل الدراما L'avenir du Drame".
أما الخاصية الثانية فتجعل من المرتجلة إطارا لمعالجة موضوعات مسرحية محض، مستحضرة أبعادها الجمالية والسوسيو- ثقافية في آن واحد.
يعود ظهور المرتجلة كصيغة مسرحية متميزة إلى موليير الذي كتب "مرتجلة فرساي" سنة 1663 نزولا عند رغبة الملك لويس الرابع عشر الذي أمره بالرد على الهجومات التي تلقتها مسرحيته "مدرسة النساء".
وقد عرف المسرح الغربي تجارب من هذا النوع خلال القرن العشرين، ونذكر منها "الليلة نرتجل" لبيرانديلو (1930)، "مرتجلة باريس" لجيرودو(1937)، "مرتجلة ألما" ليونسكو (1956) و "مرتجلة القصر الملكي" لكوكتو(1962).
وقد تميزت كل محاولة من هذه التجارب بطابع خاص ارتبط، في الغالب، بالشروط التي أملت كتابتها، ومنها الرد على خصوم سياسيين أو نقاد أو مؤسساتيين، أو الدفاع على منظور جمالي أو صيغة مسرحية أو اتجاه في الكتابة والتمثيل.
علاوة على هذا، تأثرت هذه التجارب بنوعية الكتابة لدى كل مؤلف.
فموليير الهازل الكبيرLe grand Farceur ليس هو يونسكو العبثي ولا جيرودو المهووس بشعرنة الكتابة المسرحية والمدافع عن طابعها الأدبي.
إن هذا التنوع يفتح أمامنا أفقا لتأمل صيغ مختلفة لصراع المسارح في مرتجلات يجمع بينها قاسم مشترك يتمثل في كونها "محاكمات ممسرحة Procés théâtralisés"، لكن تفرق بينها خلفيات هذه المحاكمات وحيثياتها في آن واحد.
وقد اخترنا - للوقوف على مظاهرالتجانس والاختلاف في المرتجلات - تحليل "مرتجلة فرساي" و"مرتجلة باريس" ثم "مرتجلة ألما".
التسميات
مرتجلات ميتامسرحية