خصوصيات النص التراثي اللغوية والثقافية .. المكونات التركيبية للغة العربية وتشكلاتها البلاغية والإبلاغية

آلت إشكاليات قراءة النص التراثي وآلياتها إلى التأثير على الهوية مما دعا الباحثون والنقاد العرب إلى مراعاة التأصيل والتحديث لخصوصيات النص التراثي اللغوية والثقافية والمصطلحية في الوقت نفسه.

اعتمد النص التراثي على خصائصه اللغوية والثقافية، ولا تفترق اللغة العربية عن مكوناتها التكوينية التركيبية والتعاقبية وتشكلاتها البلاغية والإبلاغية، بلوغاً للمعنى وما وراء المعنى أيضاً، ومراعاة للسياقات التاريخية والاجتماعية والذاتية القومية والوطنية والشخصية، ويستند النص التراثي إلى النصوص الأساسية: القرآن الكريم، والحديث الشريف، والآداب العربية القديمة المتجلية بالخصائص الثقافية من الجاهلية والإسلام والأموي والعباسي والأندلسي إلى العصور التالية حتى العصر الحديث، إذ ينبغي مراعاة الموروثات الأدبية لغة وبلاغة وثقافة عند قراءة النص التراثي، وأولها الشكل، وثانيها المحتوى، ويتطلب ذلك العناية بالفيوضات اللغوية والدلالية والتداولية، وبالتطورات الأدبية وأجناسها الشعرية والنثرية من عصر لآخر، وبالمؤثرات الثقافية على الموروثات الأدبية، ولاسيما الانتماءات السياسية والدينية والبيئية إزاء تحكميات العصر وتحدياته.

إن منهجيات قراءة النص التراثي ونقده مرهونة بهذه الخصائص المشار إليها، واقتصر النقاد والباحثون في قراءة التراث النقدي على مكانة البلاغة، ورأى مصطفى ناصف (مصر) أن البلاغة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفكرة المقاصد، وأن مدارها تحقيق الأهداف بوساطة اللغة، وجوهرها ضبط نظام التعبير أو قوانينه، وتفضي الدراسة البلاغية إلى "أن الإنسان لا يفكر لوجه التفكير، ولا يشعر لوجه الشعور، وإنما يفكر، ويشعر من أجل التأثير في مخاطب أو التغلب عليه"([1]).

إن اللغة وبلاغتها باعثة للوظائف والقيم والمنظورات النصية كلما مثلّت الرؤى والأفكار الثقافية، ووجد محمد الكتاني (المغرب) أن اللغة العربية ذات منهجيات معرفية متصلة بالخصائص الثقافية العربية والإسلامية بما يؤكد على تطابق الرؤية والإنجاز في النص التراثي، وقد "قامت علوم اللغة كلّها على أساس جعل اللغة أداة تواصل وأداة بيان وإحساس جمالي، وهذا هو الأفق العام الذي تحرك فيه النقد الأدبي، لأنه تقرّى مواطن الإثارة الجمالية في الإبداع، وأنشغل بالصياغة الفنية، وسبر عمق اللغة العربية، ووقف على كل طاقاتها الإيحائية، فاستأثرت اللغة في الفكر النقدي بكل اهتمام، نظير ما حدث بالنسبة لمجالات الفكر الأخرى"([2]).

أكدت قراءة النص التراثي ونقده على أن ابتعاث وحدة العملية الأدبية وتوظيفها وتوليدها (التداولية) وإبراز الموازنة والمفاضلة في الشكل والمحتوى قائمة على اللغة والبلاغة، ورهن محمد الهادي الطرابلسي (تونس) التفكير البلاغي باللسانية بالتركيز على التداولية، بينما لا تخرج البلاغة العربية عن تحققات التوظيف والتوليد والتحويل في فاعلية اللغة والدلالة والاستعارة والتوريه والانزياح والترميز...الخ.

لقد أفاد الناقد الطرابلسي أن "مرجع البلاغة إلى استخراج صورة النص المنشود من النص الموجود، أو استحضار صورة النص الأمثل، من النص المنجز، كل ذلك عن طريق الاجتهاد الذي يكون بالتوظيف والتوليد في العملية الإبداعية، وبالموازنة والمفاضلة في العملية النقدية، ويكون بالتحسين والتجديد في العملية البلاغية"([3]).

[1]- ناصف، مصطفى: "بين بلاغتين"، في كتاب "قراءة جديدة لتراثنا النقدي"، المجلد الأول، النادي الأدبي الثقافي بجدة، 1990، ص381.
[2]- الطرابلسي، محمد الهادي: نقد الأدب عند البلاغيين العرب، في المصدر السابق، ص494.
[3]- الطرابلسي، محمد الهادي: نقد الأدب عند البلاغيين العرب: في المصدر السابق، ص494.
عبدالله أبو هيف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال