جمالية الهدم والبناء في مجموعة (وللرماد نهاراته) لسعد الحميدين

جمالية الهدم والبناء في مجموعة (وللرماد نهاراته) لسعد الحميدين:

- لقد استطاعت (قصيدة الرؤيا) أن تشكّل ملامحها خلال فترة زمنية قصيرة.
ومن ملامحها: الاعتماد على التفعيلة والأسطورة والأسطرة والرمز والرمزية والتجريب في اللغة والإيقاع وغزارة الصور الجزئية والصدام مع الواقع.
وقد ترافق كل ذلك بوعي جديد لمفهوم الشعر يتمثل في أنها (قصيدة رؤيا لارؤية) حيث كانت تتجه إلى المستقبل قافزة مـن فوق الواقع لعدم ثقتها به.

وقد اتجهت في (بناء الرؤيا) إما اعتماداً على الماضي البعيد، وإما على ما يردها من وراء البحار، ولذلك كان من الصعب أن تكون الرؤيا لدى شعرائها (مشروعة اجتماعياً)، لأنها لم تؤسَّس أصلاً على معطيات موضوعية.

- لقد مرّ الشعر العربي المعاصر بثلاث مراحل، أولاهما (مرحلة قصيدة الرؤية - الشعر النيوكلاسيكي) وثانيهما (مرحلة قصيدة الرؤيا - شعر التفعيلة)، وثالثهما (مرحلة قصيدة النثر).

ومن أبرز سماتها الاهتمام بما هو جزئي، واستنطاق اللغة اليومية، ومقاربة الصورة اللوحة، والمصالحة مع الواقع ليس من خلال الموقف الفكري فقد كانت دائمة الاستياء من الواقع، وإنما من خلال تعاطيها مع مواده الأولية في بناء الصورة والموقف والحالة، واعتباره - لذلك - ركناً أساسياً في بناء الرؤيا.

- كان لابد لي من هذا التقديم لكي أحقق غرضين: أولهما أن مجموعة سعد الحميدين (وللرماد نهاراته) التي صدرت الطبعة الأولى منها عام 2000م في بيروت تنتمي إلى مرحلة قصيدة الرؤيا بكل ما تحمله من عناصر وسمات على الرغم من سعيها للقفز عليها، والسعي لتجاوزها؛ أعني أن (الوعي الجمالي) الذي كان يحكم قصيدة الرؤيا هو الذي يحرك النظام البنائي لهذه المجموعة، وثانيهما لبيان مسافة التجاوز التي حقّقتها هذه المجموعة على قصيدة الرؤيا.

- يبني سعد الحميدين مجموعته على فكرتي (الهدم والبناء).
فهو يرفض (مكوّنات الرؤية)، لأنها لم تعد تصلح لشيء، ويقرّر هدمها، ويسعى - في المقابل - إلى بناء رؤيا جديدة تعتمد على عناصر هو يختارها، ويختار أشكال بنائها بنفسه دون الاعتماد على شكل قَبْلي محدد.
خلاصة الفكرة أن الكاتب يريد أن يكوّن اللغة والطبيعة والإنسان من جديد بمعطيات جديدة ووعي جمالي جديد .

- فهو أولاً يطرح مفهوماً للشعر مغايراً لما كان مألوفاً، ولما هو مألوفٌ الآن، يختلف كلياً عن مفهوم قصيدة العمود لامن حيث الوزن والقافية، فحسب وإنما من حيث أشكال بناء النص وتشكيل الصورة والرؤية والرؤيا، وهو ثانياً يسعى إلى قراءة العالم بوعي جمالي مختلف، ويستخدم لذلك عناصر جديـدة لم يكن بالإمكان استخدامها في الشعر العمودي، ولايمكن للوعي الجمالي التقليدي أن يقبلها بأي حال.

أولاً- فقد وزّع الكاتب فضاءات المجموعة على الأحرف الهجائية، وهي أحرف ساكنة لادلالات عرفية سابقة لها، ولهذا الأمر أبعاد رمزية تخدم الكاتب في البناء الافتراضي الجديد.

فهو من جهة يرفض الواقع الراهن ويسعى إلى رسم رؤيا جديدة.
وبما أنها جديدة فهي غامضة، ومن الصعب تتبّع ملامحها وحدودها.

وهو يرفض من - جهة ثانية - الشكل اللغوي الراهن وكل ما يتعلّق به من أفكار وقوالب جاهزة، فيحلّل الكلمات المتداولة والتراكيب اللغوية والصيغ المألوفة لنظام الجملة، ويفككها ويعيد صياغتها من جديد.

ففي المجموعة سعيٌ حثيث إلى إعادة الأشياء إلى مادتها الأولى : الكلمة إلى الحرف، والعالم إلى الغابة، والإنسان إلى الطفولة لكي يسهلَ تشكيلها من جديد.

ثانياً- وبناءً على ذلك كـان الشاعر يُكثِرُ من الاتكاء على الأفعال في بداية التشكيل الجديد، ثم يُتبعها بعدد كبير من الأسماء والصفات ليثّبتَ بها ما شكّله سابقاً.

لقد كان الشاعر يعتمد - في بداية تشكيل الموقف الشعري أو الحالة - على الحركة الدائبة، والحركة تحتاج إلى أفعال، ثم ينتقل لتثبيت ذلك بالأسماء لما لها من دلالة على الثبات والاستقرار.

يقول:
ندّهُ أبصرَهُ ولما ينادِهِ ولم يقتربْ، له
عيونٌ تحملقُ كلما لامست نظراتِ أخرْ
تتأطرُ في زيّها تتبرقعُ في الظلِّ ينكفىءُ
الظلُّ خسرانَ خاسىءَ، تتأبطُه الحسْرةُ المائعةُ
تتكىءُ على نارهِ الموقدهْ، تنحني على أرضِها
الصامدةِ فتهمي الرؤى قابَ قوسينِ من
شربة راكدة
هبّتِ العاصفةُ تقلّبت البركةُ الراكدة المشتهاة
على راحتيها تُعيدُ تمارينها
تتكاملُ... تتفرّسُ... تقيسُ.. وتمحو... ، فيخب... يجفُّ النهرُ
موات موات في نهائي لانهائي فيحيكُ الظلامُ
جناحَ الأزل، تنطوي رقعةُ الحلمِ تتكرمشُ
عدد الأفعال في هذا النص القصير فعلاً ، وعدد الأسماء يتجاوز اسماً.

ثالثاً- وقد اعتمد الكاتب - استكمالاً لمشروعه - على الرمزية والربط بين المتباعدات وهذان الأمران منحا تنوعاً كبيراً لمناخات النصوص، وأعطيا الكاتب حرية واسعة في اختيار أشكال البناء الجديدة.

من ذلك مثلاً التراكيب التالية التي أُخذت من نصوص المجموعة اعتباطاً: (صهوةُ الحرف، نورُ الظلام، معطفُ الظلمة، تَكلَّسَ وجهُ الزمان، الفراغُ الغبي، حراشفُ الندم، النضحُ الهلامي، أرتالٌ من الأوقات، مشرئبُ الوجد، نُتَفُ الماءِ القراح، فكّي فارس، بلعَ الحرفَ سَفَّ الجملةَ الحرّى علـى الريق، مزّقَ الحرفَ حثلاتِ حروفٍ وصور، نهرُ السكونِ، هيكلُ الوقت، تعلكُها الكفُّ، صحنُ الخرافات، رأسُ الجفاف، إبطُ الحرفِ، أباريقُ الخرافات العميقة، منافظُ القرن، المعصمُ الوقتي، الكسلُ الوارمُ، شجيراتُ الشموع، جوربُ الماء، الزمنُ الرائب، ترضعُ الأوهام، يعطسُ التمساحُ، تسعلُ السمكة، زندُ التاريخ).

رابعاً- وقد لجأ الكاتب إلى هدمِ قنوات الاتصال بين الواقع والخيال، بين حاسة البصر والحواس الأخرى، بين الدلالات الحقيقية والدلالات المجازية، بين الأنا والأنت، بين الذات والموضوع، بين الشعر والأجناس الأدبية الأخرى، بين الأنا واللاشعور الجمعي، بين الليل والنهار، فلا حدود بين الأشياء في مجموعة الحميدين.

يقول: 
تروبُ مناراتُ مدى القلعةِ الأبدية
بين رُكامِ الزمانِ الذي جاءنا أو يجيء
بحملِهِ يحبو
أحدبَ الظهرِ، والظهرُ أحدبُ
لافرقَ فما عادَ في الليلِ ليلٌ
ولا في النهارِ الطويلِ القصيرِ نهارْ
تكوّرَ حالُ الزمانِ تدحرجَ صوبَ التلالِ
ودارَ
تفورُ بها شفةُ الأختِ تبلعُ الأختُ التي قربَها ، وتنفخُ في ساحةِ اللاكيان
يتجشّأُ يُنتجُ عاصقةً
تختبىءُ
لعلَّ المكانَ استدارَ استداااااار

خامساً- في مجموعة الجميدين لايوجد نسقٌ ثابت متوازٍ يبني الكاتب عليه نصه، لايوجد مثالٌ جاهز، أو نمط أيقوني ثابت تعتمد عليه المجموعة.

فمثالها ذاتها، وتفرُّدها في تجريبها، وقيمتُها تنحدر من فضائها الخاص.
لذلك لاأبوة لهذا لنمط من الشعر سوى الأنا الفاعلة، المنتِجة ضمن علاقاتها المفتوحة مع محيطها.

وهو يعلنُ ذلك بقوله:
قفا نبكِ قد ألغيتْ كذلك قالوا، ومعها (خليليّ)
لم يُلغيا، قلتُ أنا.. فقد فاضتا عن الطوقِ وأنجبتا من
(القافَ)
و(الخاءُ) أكثر، فما الشعرُ إلا إناءٌ لكل الفنون، الجديد، العتيق
وما بعدُ
تلقف ما يبدعون، وما يأفكون، وما يغزلون، وما يسطرون
لا شعرَ إلا الشعر

سادساً- وقد لخّص الكاتب الرؤيا من خلال الوعي الجديد الذي ينشده بقوله:
حجرٌ حطَّ من القمّةِ للسفحِ وغفا هكذا أُوعزَ لي
فألوي العنقَ للتاريخِ أقرأُ صفحاتٍ سُجّلَتْ
كنا وكنا
ولكن كيفَ أصبحنا؟ لاأدري

سابعاً- كما فتح الشاعر البابَ واسعاً - أمام نصوصه - على التناص، ونجح - من خلال ذلك - في إغناء آفاق النصوص (الزمكانية)، إلى جانب أن التنوع في التناص يخدم الهدف الذي يسعى الكاتب إلى تكريسه وهو إعادة صياغة الأشياء من جديد.

فقد اعتمد في هذا المجال على الخرافة (ص1)، والمثل الشعبي (ص25)، والأغنية الشعبية
طبتَ صباحاً يالبنان
عمتَ صباحاً يالبنان "بحبك يا لبنان
بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك
سـألوني شو صاير ببلدي العتيد، مزروعة عاالداير نـار وبواريد
وانظر كذلك (ص31).

واعتمد أيضاً على الأسلوب الملحمي، والنصوص المعاصرة وغيرها.
إن افتتاح المجموعة بنص أساسُه الخرافة يعني أن الكاتب يُعلن - منذ البدء - أن كل شيء راهنٍ (متعلّق بالرؤية) لم يعد ذا قيمة، وهو أقرب إلى الوهم منه إلى الحقيقة.
وبما أنه كذلك لا بد من إعادته تشكيله من جديد . ومن التناص مـع الشـعر القديم قوله:
صراعٌ يفورُ
حول ما قد، وهذا، وماسيكون
ربما
عسى
لعلّ
مثّلتْ أملَ المتراخي على ساحة الموت
أخنى عليها
لبدٌ من العشّ حام  حم يـ 
يحوووووم  وانظر أيضاً.

وكذلك قوله وهو فـي صدد تجسيده لمآسي الحـرب الأهلية اللبنانية :
وما الحربُ إلا ما علمتم سابقاً أو لاحقاً خمس وعشر ثَـبَّتتْ
مخلابَها المعقوفَ والمملوءَ بالسمِّ المركّزِ في جرارِ الخلِّ والزيتون
في لبنانَ
في بيروتَ
في تفاحةِ الشرقِ المخضّب بالجروح

ومن التناص مع التراث العالمي قوله:
أنا الشعرُ.. لا الشعرُ إلا أنا
من عين حاء، قاف ميم إلى قاف عشرين
ومن هوميروس إلى ربيعة ابن المهلل
ومن التناص أيضا (41 و72).

ثامناً- لايوجد - في مجموعة سعد الحميدين - شكلٌ نهائي، وثابت للأشياء، أو خارج التغيير، والتحول.
فهو يعلن أن كل شيء وصل إلى خاتمته كما فينيق، ويجب أن يُعاد بعثُه من جديد:
هبيني ذهبتُ إلى السوقِ ابتاعُ خبزاً وتمراً وقهوة
ودثرتُها بجريدة الصباح
فأحفرُ في الأفقِ
أحدّقُ أبحثُ عمّا سمعتُ
فلا شيءَ يبدو أمامي
لاشيءَ
لاشيءَ
لاشيء إلا الرماد فر  راا غ
فراغ غ

ومن الرماد تولد الحياة من جديد على رأي الميثولوجيا المتوسطية.
تاسعاً- وتعبيراً عن الوعي الجديد (مشروع الكاتب للتغيير) جاءت الصورة الفنية في المجموعة مختلفةً عن المألوف؛ فهي  ليست ذات طابع حسي، وليست ذات تعبير ذهني، إنها جمعٌ بين النمطين معاً، لذلك لاحدود مألوفة في تكوينها يمكن للمتلقي أن يتوقّعها كما في الشعر العمودي، إلى جانب أنه من الصعب حصر دلالاتها بحدود ومقاييس قبلية.

فهي نمط مغاير من الصور يعتمد على الغرابة والآلية والإدهاش.
وأحياناً تنتقل الصورة إلى نوع من اللعب اللفظي والفنتازيا.

إن الكاتب لايريد أن يعبّر، فهدفه ليست الفكرة، وإنما التشكيل الجديـد للحالة (الذهنية الحسية) المستهدفة.
ليست الدلالة هي المهمة، وليس الطابـع الحسي هو المقصود، بل التشكيل الجديد لكليهما:
عقدةٌ في المعصمِ الوقتي حُزَّ الجلدُ منها
فبدا جدولُ الدمِ يحبو غائباً بامتدادِ الساعدِ المعقوفِِ
قوساً خانها وترٌ راغتْ خطاهُ في رقاعِ الدربِ
من غيرِ التحامٍ بالمزاميرِ، ولا حتى الحراب الثانياتِ
الظهر شرياناً ضخَّ غسلينا، تشظّى قربهُ العظمُ
تفحّمَ حولَ خصرٍ من رمادٍ هاجمَ الأعينَ يصرفها
إلى سوقٍ يبركُ الكسلُ الوارمُ حولَ لحنٍ
من سُعال نافرِ النغمةِ مزورّاً إلى قاعِ الخراب

عاشراً- وهناك - إلى جانب ما تقدّم - في المجموعة اغتصابٌ للغة.
فما أكثر المفردات الغريبة وما أكثر الاشتقاق، وما أكثر التوليد! ونريد أن نضيف إلى ذلك أن هوّة الانزياح في المفردات كانت كبيرة وغير محدودة إما من خلال الجديد من المفردات، وإما من خلال وضع المفردات المألوفة في سياقات غير مألوفة.

ونود الإشارة هنا إلى أن هاجس التجريب في اللغة كان أحد أهم هواجس قصيدة الرؤيا الذي دعت إليه وتبنّتهُ مجلتا (شعر ومواقف).

فالشاعر يرسم صورة لحفلة زار بقوله:
يهزون روؤساً تحتَ قرعِ الدفِّ مجذوبين
طغطميشْ، تمتاروت، كريبوشيديد، شولاع، ماميتو
نرجال، رابيصو، طيريد، أومو، لبيو، ايديبو
يلحقون العارَ بالمسمار، والقصدير، والطين المحمى

ومن ذلك أيضاً المفردات التالية: (تكرمشت، قرنس، يمصمص، يعسبل، تستوفز، براياش، الحلتيت، يعلكون، المافات، المنكوش، الفترينات، مواخير، يمشع).

حادي عشر- وينسجم - مع ما تقدّم - اللعبُ بالكلمات، كما اللعب بالأحرف، والهدف من ذلك السعي للبحث عـن كلمات جديدة، كما العالم الجديد الذي يسعى الحميدين لتشكيله:
سكنْ، نسك، كنس، نكس
يبقرُ البومُ بقَرنِ العين رماد البقايا
يبقرُ بقدّ أحشاء الحثالة
يبقرُ البومُ بسيفِ العين أبعادَ الرواية
يبقرُ البومُ برمحِ العين غابات الرعايـا
وبمنقار يبعجُ البومُ بطونَ الجراذين وجرذان الطريق

ثاني عشر- إن كلَّ ماتقدّم ألجأ الشاعر إلى نوع من الكتابة الآلية.
ومن ملامح الآلية أن الكاتب لم يستخدم أياً من أدوات الربط في المجموعة كافة إلا ماندر؛ ولهذا مايسوغه فهو يريد أن يطرح شكلاً جديداً من الكتابة يتجاوز به المألوف، إلى جانب أنه يعبّر عن لهاثه المتسارع وراء الصياغة الجديدة للعالم:
أرجلٌ تحفرُ الأرضَ، سيقانٌ، أوتادٌ تغرسُ  الأكعبَ في
رحمِ رمالِ التيهِ حتى تنبعَ الآهاتُ تعلو
كما الجذرُ وفاضَ الساقُ آخرْ فانطوى حبلُ المكانزم
اعتلت لوحةُ الرسام (قوس قزح) يباري بُعدها
اللوني أبعاداً بدتْ شجراً غابةً حبلى
بأفواهٍ وأنيابٍ يربضُ السبعُ يفلّي الدربَ
(يمشعُ ) الغصنَ أي غصنٍ ناظراً أينَ الطريق
وانظر كذلك (71 و 64).

ثالث عشر- وفي المجموعة أيضاً اتساعٌ في المساحة المكانية للصورة، وشبهُ تغييب لأبعادها الحسية، واختراق لحدود الزمان.
وهذا طبيعي لمن يريد تشكيل الأشياء من جديد ألا يؤطرها في مساحة محددة أو هو لايستطيع تحديدها في مكان معلوم أو زمان عرفي.

رابع عشر- لقد جاءت نصوص مجموعة سعد الحميدين غنيةٌ بالتجريب على صعيد المفردات والعلاقات الغريبة بين التراكيب والصور والتخييل والحلم والتناص بأشكاله المختلفة والرمز والرمزية، وهناك ثراء هائل بالمفردات والتراكيب والصور الجزئية والنصوص الأخرى.

إنها نصوص مفتوحة على كافة الاحتمالات.
وبهذا المعنى أيضاً جاءت نصوص المجموعة غير ناجزة وتحتاج من القارىء أن يتمَّها.

وقـد برز - ضمن كل ذلك - العمقُ الثقافي المتنوع للكاتب.
إن نصوص الحميدين عبارة عن غابة ممتلئة بالأشياء الغامضة، والمفاجئة، والجديدة، ولم يكن يخلو بعضُ ذلك من الإبهام.

إن مجموعة الحميدين تطرح كماً هائلاً من الأسئلة حول مفهوم الشعر، والشعرية، وعلاقة الشعر بكلٍ من الأجناس الأدبية، والأنا والموضوع، والتراث والمستقبل، والتابو والممكن، والصورة الفنية والتعبير، والرؤية والرؤيا.

خامس عشر- ولا بد أخيراً من الإشارة إلى ما بدأنا به الدراسة إلى أنه مما كان يشغل الوعي الجمالي لقصيدة التفعيلة التجريبُ في اللغة والسعي لإعادة صياغة الأشياء من جديد.

وهذا ما فعله روّاد هذا الاتجاه شعراً وعلى صعيد التنظير، مثل: أدونيس (في مهيار الدمشقي 1961م، وقبر من أجل نيويورك بخاصة)، ويوسف الخال، وسعدي يوسف، ومحمـد الماغوط، وأنسي الحاج، وفؤاد رفقة، وفايز حضور، وعلي الجندي مع ملاحظة الاختلاف الشديد بين معظم هؤلاء في الرؤية والرؤيا.

ونعتقد أن أبرز ما كان يُحرّك مجموعة الحميدين (وللرماد نهاراته) الانشغالُ بالتجريب علىكافة الأصعدة، وقد نجحت في ذلك. 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال