الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي.. وضع معايير وطنية وأخلاقية لتجنب ممارسة الديمقراطية بأدوات عرفية

نغالط أنفسنا، ونلوي عنق الحقيقة، وندوس على أرضية الواقع، إن ادعينا بأننا نملك ديمقراطية، أو نمارس الحد الأدنى منها في وطننا، في ظل ما يتم من إجراءات السلطة التنفيذية، بإصدار القوانين المؤقتة، وتطبيق قانون الصوت الواحد بأسوأ صوره، وممارسة الأجهزة المعطلة لحركة المجتمع في الذهنية العرفية للقائمين عليها.

نحن في مرحلة أكثر ما يمكن أن نطلق عليها بداية التطلع إلى التحول الديمقراطي، وما زلنا في بداية الطريق في هذه المرحلة، وقد باءت العديد من محاولاتنا على هذا الطريق بالفشل، ووصلنا إلى طريق مسدود، تتطلب منا أن نكون جادين في التطلع للسير بخطى ثابتة، لتحقيق هذه المرحلة مقدمة للديمقراطية، التي ينشدها الشعب، ومن اجل مستقبل وطننا وأبنائنا في المستقبل القادم كي يعيشوا حياتهم في بيئة سياسية أكثر نقاء.

مع بداية مرحلة التحول الديمقراطي علينا أن نؤكد أن السلطة التنفيذية، والتي تغولت على السلطتين التشريعية والقضائية، هي المفتاح لبداية العمل، ومن هنا فان خيارنا في تشكيل الحكومات وبشخوص رؤسائها، يجب أن يخضع لمعايير وطنية وأخلاقية، وإلا فأننا نتعمد وبإصرار على أن يتكلس وطننا في مكانه، لأننا نمارس الديمقراطية بأدوات عرفية.

من غير المعقول أن تتكرر مطالبتنا بالإصلاح والتغيير في كل كتاب تكليف لحكوماتنا، ومع نهاية عمر كل حكومة لا نجد أنفسنا إلا في القاطرة إياها، التي ركبناها مع هذه الحكومة منذ اليوم الأول لتشكيلها، فلكل حكومة سمات لابد وأن تطبع بها، ومحطات هامة كماركة مسجلة لها، وانجازات على صعيد الوطن والمواطن، تملك الجرأة في أن تدعي أنها من صنع أياديها.

لكل حكومة برنامج عمل، لابد وأن تكون قادرة على انجاز ما فيه من أهداف في فترة زمنية محددة، بمعنى أننا نملك الأهداف المرسومة، وأساليب تحقيقها، والزمن اللازم الذي تحتاجه، فالحكومات بدون أهداف واضحة ومحددة، وليس لها ناظم ينظم عملها، وزمنها غير معروف لتحديد رحيلها،أو تجديد عملها الذي تحتاجه، لتكملة البرنامج الذي رسمته لنفسها.

يمتاز بلدنا في كثرة تشكيل الحكومات، فان كان ذلك سمة من سمات عدم الاستقرار فوطننا ليس كذلك، وان كان ذلك غياب البرامج الحكومية، وأن حكوماتنا تمارس عملها بتصريف الأمور، دون أن تكون لديها رؤيا واضحة، فجدير بنا أن نعالج ذلك، لأن السلطة التنفيذية هي (الدينمو) الذي يحرك عربة الدولة، وهو ما يجدر بنا،أن نتوخى الحذر في خياراتنا في التشكيل الحكومي، بشخص رئيسها وأعضاء الحكومة، فكم مر علينا من رؤساء حكومات لم يتركوا أثرا على أرض الواقع، وان اتصف الكثير منهم بصفات سلبية في إدارة الحكم، وكم عدد الوزراء الذين تركوا أثرا في نفوس المواطنين في إدارتهم للوزارات التي أوكلت إليهم، ولم تعد صورهم معروفة حتى للموظفين في وزارتهم.

مرحلة التحول الديمقراطي التي لابد من أن نمر بها للوصول إلى الديمقراطية، لابد لها من فرسان يملكون رؤيا واضحة، بأهداف وخطط وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية، بمعنى أن تكون خياراتنا لتشكيل الحكومات فيمن يملك مثل هذه الرؤيا، وللأسف الشديد ليس هناك من قام بتشكيل أي حكومة سابقة مثل ذلك، مع أن الوطن يزخر بالكفاءات العلمية والسياسية، قياسا الى حجمه، فهو متقدم على الكثير من دول العالم، ومع ذلك دوما في تبرير الفشل نقول من أين سنأتي بهؤلاء ؟، وهم أمام أعيننا، وفي الكثير من مؤسسات المجتمع المدنية والرسمية.

نحن لا نرغب في التوجه الديمقراطي، ولذلك فان مرحلة التحول الديمقراطي لن تبدأ، لأن مرحلة التحول هذه كمقدمة للوصول إلى الممارسة الديمقراطية، تتطلب أن تتطلع أجهزة الدولة للمواطنين بمساواة، وأن تنتهي لعبة توزير أبناء الوزراء، لأنهم ولدوا وفي أفواههم ملعقة السلطة، والنظر لأبناء الوطن مجرد قطيع، يهش عليهم هؤلاء بامتيازات الحكم، على الرغم من ثبوت فشل هذه اللعبة التي تمارس منذ زمن طويل من عمر الدولة.

نحن علينا أن نعلي من قيمة المواطن، وأن تتم عملية التقييم في ضوء مؤهلاته وقدرته على العطاء لخدمة الوطن، ولا يجوز وضع حجر سياسي على أي كان من المواطنين إلا إذا حكم عليه القضاء بخيانة، أو تأكد فساده الأخلاقي والسياسي، ومع ذلك فان الكثيرين ممن وصلوا الى مواقع المسؤولية، خرجوا منها بسمعة سيئة من وصمة الفساد، ولم يجدوا من يؤنبهم على أقل تقدير، بدلا من توقيع العقوبة عليهم، ويفاجأ الناس بإعادة تلميعهم في مواقع متقدمة من الدولة.

المواطن الذي ينوء بالفقر والبطالة وغلاء الأسعار، ما عاد يهتم كثيرا بتشكيل الحكومات، وهو ما يدل على حالة الإحباط التي وصل إليها، وهي تؤشر على مرحلة خطيرة، لأن الوطن بفعالية أبنائه ومشاركتهم في البناء والعمل، بقلوب يعمرها الولاء والانتماء لوطن غال على نفوسهم، وليس لقطعة أرض يمكن استبدالها بأخرى، ولا بمسكن يمكن أن يستعيض عنه بأخر في أي مكان.

مرحلة التحول الديمقراطي ضرورية لبلدنا ولمجتمعنا، و تصب في مصلحة النظام السياسي، الذي أجمعنا عليه كضرورة وطنية، وعلينا أن نؤمن بمسؤليتنا في تحقيقها، وهي تعني قانون انتخابي عصري، وانتخابات نزيهة، وقانون أحزاب سياسية متقدم، وقانون حريات واجتماعات عامة، إلى غير ذلك من قوانين تتطلبها مسيرة العمل الديمقراطي، والعمل على تشكيل حكومات برامجية، من شخصيات وطنية مؤهلة، بعيدة عن مؤهل الإرث العائلي، وسلطة قضائية، قادرة على ممارسة دورها بفعالية.

إن الوطن ملك الجميع، وكلنا في مركب واحد، ولا يجوز أن تتم عملية إقصاء أي مواطن عن المساهمة في بناء الوطن، كما لا يجوز بقاء أي مواطن مغبون في حقه المادي والمعنوي، لأن التحول الديمقراطي الذي ننشده، لا يمكن أن يتم إلا من خلال المواطن ومن أجله، ولهذا فان احترام المواطن وتقديره، والعمل على تربيته لأداء واجباته تجاه المجتمع والدولة، وتشجيعه على عدم السكوت عن مطالبته بحقوقه، من شروط نجاح عملية مرحلة التحول الديمقراطي.

غالب الفريحات
أحدث أقدم

نموذج الاتصال