الانتخابات وقانون الصوت الواحد والإصلاح السياسي.. وضع قانون متطور ومتقدم للانتخابات النيابية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع لا تعني ممارسة الديمقراطية

لابد لأي قانون انتخابي أن يواكب التطورات والمستجدات، وأن يفي بغرض التطور الذي يمر بالبلاد، وأن يتناسب مع طبيعة المرحلة، لأن الوطن يحتاج إلى قانون انتخاب يؤمّن له الاستقرار، ويبعد به عن التوجهات الفردية، التي لا تليق بأهمية المؤسسة التشريعية، وانطلاقا من أهمية ودور السلطة التشريعية والعمليات الانتخابية،التي توجب إحاطة تلك العمليات بالضمانات الضرورية، لإيصال ممثلين حقيقيين عن الشعب إلى قبة البرلمان، فان وضع قانون متطور ومتقدم للانتخابات النيابية، يقتضي تشكيل لجنة عليا مشتركة من ممثلين عن الحكومة والأحزاب السياسية والفعاليات النقابية و الفكرية، لوضع مشروع قانون جديد، ليعرض على مجلسي الأمة في دورة استثنائية، بعد أن يتم إفساح المجال أمام كافة قطاعات الشعب وشرائحه في إبداء الرأي والمناقشة، فالسلطة ملك الشعب، وهو وحده مصدر السلطات، وإرادة الشعب يجب أن تمثل تمثيلا حقيقيا، لإعطائه الفرصة لصنع المجتمع الذي يتطلع إليه، والذي يضمن المساواة والعمل بين الجميع دون تمييز.
إن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع لا تعني ممارسة الديمقراطية، فورقة الانتخابات ونتائجها محكومة بعملية مترابطة ببعضها البعض، من سن قانون يستطيع المجتمع أن يوصل ممثليه إلى البرلمان، بكافة شرائح المجتمع السياسية والفكرية والمهنية، ومن خلال سلطة قضائية تقوم بالإشراف على عملية الانتخاب والترشيح والفرز وإخراج النتائج بشفافية وموضوعية، فكثيرة هي الدول التي تتبع الانتخابات النيابية عبر صناديق الاقتراع، ولكن السلطة التنفيذية فيها متوغلة على السلطة التشريعية، وتكاد أن تكون ملحقة بتوجيهاتها، لأنها تسمح لأجهزتها الأمنية بالقيام بعملية التزوير، والتدخل في كافة مراحل العملية الانتخابية.
إن اعتماد السلطة التنفيذية على سن قانون في ظل غياب السلطة التشريعية، والاحتكام على نتائج هذا القانون، هو اعتداء على الديمقراطية وحق السلطة التشريعية، ولأن هذه الأخيرة الممثل الشرعي للشعب، فأن السلطة التنفيذية تقوم بالدوس على إرادة الشعب، وتقف حجر عثرة في طريق أن ينتخب ممثليه بشكل يضمن التمثيل الحقيقي له.
إن القوانين الناظمة للعملية الانتخابية في العالم كثيرة، وكل مجتمع يختار ما يلائمه منها، فهناك الصوت الواحد للشخص الواحد، في حالة تقسيم الدوائر الانتخابية بعدد الدوائر الانتخابية، كما في المملكة المتحدة، وهناك القائمة الحزبية والتمثيل النسبي، وهو ما يعتمد على إجراء الانتخابات في ضوء القوائم الحزبية، والنسبة التي يحصل فيها الحزب على عدد المقاعد، التي تتوافق مع النسبة التي حصل عليها في الانتخابات، في ضوء قائمة معدة ومتسلسلة بقائمته الحزبية، وهناك الدائرة الوطنية بحيث يكون الوطن بكامله دائرة انتخابية واحدة، ويصل إلى قبة البرلمان العدد الذي حصل على أكبر نسبة من الأصوات.
على مشارف عام 1993، تم تعديل قانون الانتخاب لسنة 1986، فيما عرف بقانون الصوت الواحد (رقم 15 لسنة 1993)، والذي استبدل من نظام القائمة المفتوحة، الذي يعطي فرصة للمواطن أن ينتخب عدد من المرشحين يساوي عدد المقاعد النيابية المخصصة لدائرته، نظاما جديدا يقيد المواطن بانتخاب مرشح واحد فقط أياً كان عدد المقاعد في دائرته، والذي كان يتراوح في حينه بين مقعدين إلى تسعة مقاعد، وقد استهدف القانون الحد من نفوذ القوى السياسية المنظمة (الأحزاب السياسية).
لقد تعرض قانون الصوت الواحد لانتقادات عديدة وواسعة من مختلف أطياف العمل السياسي، وهو بمثابة تراجع عن عملية التحول الديمقراطي، لأنه يقوم على تشجيع الولاءات العشائرية والعائلية والطائفية والإقليمية، على حساب الخيارات السياسية، وقد عمد هذا القانون على تفتيت المجتمع وتقسيم بنيته، وفتح المجال أمام تزايد تأثير المال السياسي، وممارسة شراء الأصوات والذمم، على حساب القيم الايجابية للمجتمع، مثل النزاهة واحترام الإرادة الإنسانية والمصداقية.
إن آلية الصوت الواحد تم اعتمادها، كوسيلة وأداة لتحقيق تدخل فاعل للسلطة في نتائج الانتخابات، من خلال تحجيم الأحزاب والقوى السياسية المعارضة، وتعزيز الدور العشائري الأكثر انسجاما مع السلطة التنفيذية في مجلس النواب، بما يضمن للسلطة الوصول إلى نتائج مرضية على صعيد التمثيل النيابي، وتمرير مشاريعها وسياساتها دون عقبات.
إن وضع قانون انتخابي في غياب السلطة التشريعية، ومشاركة الأحزاب السياسية وأصحاب الرأي والفكر، هو بمثابة نكوص عن عملية التحول الديمقراطي التي نسعى اليها، وأن تغول السلطة التنفيذية في وضع القوانين المؤقتة في غياب المجالس النيابية، هو تحد واضح لأي نهج ديمقراطي يطمح الوطن والمواطن للوصول إليه، فقد تم اجتزاء قانون الصوت الواحد لتحقيق أهداف سياسية، لا تخدم الوطن والمواطن، ولا تسمح للقوى السياسية أن تتقدم خطوة واحدة، على طريق حقها في التمثيل الشعبي، من خلال الوصول إلى المجلس النيابي.
من الضروري جدا أن تسعى السلطة التنفيذية على تغييب عقلية الشك والريبة، وافتعال الخوف من القوى السياسية، ومن وجود مجلس نيابي قوي يستطيع أن يمارس دوره في التشريع والرقابة، فعقلية العرفنة قد أوصلت البلاد والعباد إلى طريق مسدود، وكادت تعصف بالمجتمع والدولة في هبة نيسان، والاحتقان الشعبي عواقبه وخيمة، عندما لا يتم إزالة العقبات في طريق وصول المواطن إلى اعتقاد أن الأمل المنشود يمكن تحقيقه، وعندما لا يجد أمامه فرصة لتحسين أوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويصاب باليأس والإحباط.
هناك تصور لتعديل قانون الصوت الواحد السيئ الذكر، بحيث يكون لكل ناخب صوتان، صوت يقترع به لمرشح في دائرته الانتخابية، وصوت آخر يقترع به لصالح قائمة حزبية على مستوى الوطن، على أن يخصص نسبة لا تقل عن 20% من مقاعد المجلس النيابي، والتي يتعين أن تضاف إلى المقاعد الحالية للتنافس عليها وفق القائمة النسبية.
إن المدخل الصحيح لانجاز مرحلة التحول الديمقراطي، من خلال قانون انتخاب ديمقراطي يعتمد مبدأ التمثيل النسبي الكامل، باعتماد الوطن دائرة انتخابية واحدة لفسح الطريق أمام القوى السياسية وتحالفاتها، على أسس برامجية، تمثل مصالح الوطن، للوصول الى البرلمان والمشاركة في صناعة القرار، وتكريس مبدأ تداول السلطة.
غالب الفريحات
أحدث أقدم

نموذج الاتصال