نداءات الفردوس المفقود.. المعرفة الروائية الجوهرية الأولى. الرواية مدرسة تعلّم المرء كيفية التعامل مع الزمن وتوظيفه في النسج الروائي

في بداية (نداءات الفردوس المفقود) يشير الأستاذ حسن إلى عدد من النقاد الفرنسيين وغير الفرنسيين الذين قزّموا كل أعمال (بروست) وركزوا اهتمامهم الكبير على روايته (البحث عن الزمن المفقود) فاعتبروها رواية الروايات، والمثل الروائي الأعلى، وأكدوا على أنّ مَن لم يقرأها فاته الكثير لأنه لا غنى عنها، وإنها تشكّل (المعرفة الروائية الجوهرية الأولى) لأي كاتب روائي أو قصصي. وبالغوا إلى حد عدّها معجزة من المعجزات الأدبية لأنّ أسرار الزمان فيها، وهي ذات خصوصية مدهشة‏.

فالعمل (على ضخامته) مشاد على البنية الزمنية وإنّ حضور الزمن يطغي على حضور المكان والأحداث والشخصيات وإنّ هذه الرواية وحدها مدرسة تعلّم المرء كيفية التعامل مع الزمن وتوظيفه في النسج الروائي،‏ ويسوق لنا الأستاذ حسن أمثلة كثيرة، كلها، تصب في تمجيد هذا العمل والإشادة به كمنجز عالمي فريد يُنظر إليه باهتمام بالغ القداسة.‏

وبعد هذا الإطراء العالمي والمدح العربي لهذا العمل الكبير يتساءل الأستاذ حسن متعجباً:
تُرى بأيِّ قلبٍ سيواجه قارئ (بروست) روايته هذه!؟
وكيف سيواجه جمهرة الآراء، تلك، إن هو صرَح برأيٍ مغايرٍ؟
وماذا سيقال عنه خاصة بعد أن صوّروه كأحد كهّان الأدب، وعمالقة الرواية؟.‏

وأخيراً نتساءل نحن كيف سيواجه الأستاذ حسن هذه الرواية؟ وكيف سيقوم بمراجعته النقدية التي ستنطوي، بلا شك، على شيء من التحدي والجرأة والشجاعة مفنّدة كمّاً هائلاً من الكتابات المادحة؟‏

يبدأ الأستاذ حسن، كما فعل مع الآخرين، من سيرة (مارسيل) الذاتية التي يرى فيها ما يشي بخفايا وعلل المبدع وانعكاس هذه الخفايا والعلل على نصه الإبداعي.

فالعناية التي حظي بها (مارسيل) على يد جدته لأمه، والتربية التي تلقاها على يد والدته كان لهما أثر كبير في نشأته نشأة دينية يهودية بعيدة كل البعد عن كاثوليكية أبيه.

وإصابته بالربو واشتداد هجماته عليه كان له ردود فعل انعكاسية في نصوصه، أيضاً، ناهيك عن أنه لم يرد الابتعاد عن أمه مما جعله يرفض الالتحاق بمعاهد السلك الدبلوماسي على الرغم من محاولات أبيه المتكررة.

وحتى عندما نجح أبوه في مسعاه وأدخله الجامعة وتخرج فيها وعُيّن موظفاً في وزارة التعليم قدّم استقالته لعدم قدرته على تحمّل الالتزامات الوظيفية هارباً من الروتين الإداري إلى بريطانيا مع صديقه الموسيقار (رينالدو هان).‏

وضمن سيرته الإبداعية يتناول الأستاذ حسن مجموعة مارسيل (المسرات والأيام) التي استقبلها النقاد بهجمات عنيفة على الرغم من كتابة (أناتول فرانس) لمقدمتها وعلى الرغم من الرسومات الجميلة التي زيّنتها ريشة الرسام (مادلين لومير) وتوضيحات موسيقية وضعها صديق مارسيل (رينالد هان).‏

عام 1905 تموت والدته، أي بعد عامين من وفاة أبيه، فيصبح مارسيل وحيداً بفقده الوالدة التي عاش معها طوال أربع وثلاثين سنة، ويؤثر هذا الفقد على أعصابه فيدخل المشفى ليبدأ بعد خروجه منه بكتابة روايته (البحث عن الزمن المفقود).

والزمن المفقود هنا ليس زمن الكاتب حسن بل هو زمن الفردوس اليهودي الذي ضاع على حد تعبير الأستاذ حسن. لقد عدّ الزمن الذي سبق (البحث) زمن إخفاق جعل مارسيل يعاني من لوثة الفقد.

فقد أخفق في حب العديد من الفتيات والشبان معاً، كما كان مضيّعاً لصداقة أبيه وأخيه وفاقداً للأصدقاء والأبوين أيضاً كما كان فاقداً للأحلام التي بناها على عالم الأدب والكتابة، يضاف إلى ذلك ضياع صحته واعتلالها.

وعلى مدى الصفحات المقبلة من البحث يتناول الأستاذ حسن رواية (البحث عن الزمن المفقود) محللاً ومفسراً وكاشفاً عن خفايا (مارسيل) التي تظهر في هذا الموضع من روايته أو ذاك.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال