الضرورة الشعرية في الشعر الحر: صرف الممنوع من الصرف.. رجوع إلى الأصل لهذا لم يكن مستقبحا

هذه ظاهرة قديمة قِدَم الشعر العربي ، وما من كتاب في ضرائر الشعر إلا أشار إليها[1]، بل عدها العلماء من الضرائر المستحسنة[2]، وقد كثرت هذه الظاهرة أيضا في الشعر الحر بشكل ملحوظ، ولنستمع إلى العباسي وهو يقول:
يا ابن بطوطة أسألك الله
متى داهمك الشوق؟
وكيف أخذت مسارك للعودة مشتاقا؟
موعدك المضروب بطنجةٍ الغراء
أهل ناداك؟ (ص 51، 52).

فالملاحظ هنا أنه صرف (طنجة) وهي ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث، ولايمكن هنا أن تُجر بالفتحة وإلا اختل الوزن.

وله أيضاً:
والربان المنحوسُ
يأخذنا أشرعة لا تتمزقُ
ينشرنا للريح أحاجي لا تتشققُ
ومجاديفاً بلطم وجه الموج وتدوسُ (ص 74).[3]

وقال القرشي:
حجازية الدمع
أخضر دمعك ِ
ينساب في رئتي.. يستبد لهاثا
ويفرش كالظل أهدابه
يتوغل في خاطري لهباً أحمرا (ص 264).

ويقول:
الدم الأرجوانْ
أصفراً عاد في رحلة اللامكان (ص 292).
وعند القصيبي نجد الأبيات التالية:
لأني لا أطيقك أبلهاً
يلهو بك البلهاءْ (ص 701).

ونجد أيضا قوله:
لونه؟!
أبيضٌ قاتمٌ كخريف الشتاءْ؟
أسودٌ مشرقٌ
كشحوب العناءْ؟ (ص 775).

وهلم إلى صاحب التضاريس تلفه يقول:
رأى زمناً أحمراً
رأى مدنا مزق الطلق أحشاءها (ص 40)

ويقول:
قمر ترابي تدثر بالشعائر وانتمى للجوعِ
واعتنق الكتابةْ
يفتر عن ريحانة وقبائلٍ خُضْرٍ وأسئلةٍ
مذابةْ (ص 46).

ومعلوم لديك أيها القارئ العزيز أن (مجاديف) و (قبائل) قد امتنعت من الصرف لكونها على صيغة منتهى الجموع، وأن (أحمر) و (أصفر) و (أبيض) و (أسود ) و(أبله) ممنوعة من الصرف لكونها صفات جاءت على وزن الفعل.

ومما يحسن الحديث هنا ضرورة أخرى هي عكس هذه الضرورة، أعني منع المصروف، ولئن كان صرف الممنوع كثيرا فعكسه قليل، بل منعه (سيبويه وأكثر البصريين، لأنه ليس لمنع صرف ما ينصرف أصل يرد إليه الاسم)[4]، بخلاف صرف الممنوع فإنه رجوع إلى الأصل، ومن ثم لم يكن مستقبحا.

ولم أجد نماذج لترك صرف المصروف إلا عند العباسي في ثلاثة مواضع فحسب، منها قوله:
ياعزة آثرنا لكُثَيِّرَ تبديلا (ص 61) [وانظر ص: 61، 62].

[1] انظر على سبيل المثال: الضرائر للآلوسي 133، والقيرواني 83.
[2] الاقتراح 140.
[3] انظر المزيد ص: 17، 28، 57، 59، 93.
[4] السيرافي 47.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال