إن فريق البحث الذي اضطلع بمهمة إنجاز العمل العلمي الموسوم بـ (شعر شهداء الثورة التحريرية بالجزائر) قد استطاع في هذه السنة الجامعية دراسة الأشعار المجموعة من الدواوين، والدوريات والمجلات، وكذا من بعض الرسائل الجامعية، وملاحق الكتب، وذلك وفق الخطة المرسومة في المشروع المقدم إلى الجهات المختصة والمسؤولة على متابعة البحث حيث تمت دراسة الأبعاد الموضوعية التالية: البعد الذاتي، والبعد الموضوعي وما يدخل تحته من أبعاد رئيسية كالبعد الوطني، والبعد العربي والبعد الإسلامي، والبعد الاجتماعي وبخاصة الرثاء.
الموقف الذي يمكن اعتباره لونا من ألوان الشعر السياسي الوطني التحرري المأساوي لما التزم به من روح وطنية رمزية إنسانية؛ والذي خصصه الشعراء للأبطال والزعماء الوطنيين الإصلاحيين كالإمام عبد الحميد بن باديس.
وقد اكتشف الباحثون بأن هذا الشعر كان لصيقا بالذات الشاعرة معبرا عن آلامها واحساساتها موغلا في العمق الإنساني الفجائعي نتيجة للظروف السياسية والاجتماعية، ومما جعله حسا مأساويا من جهة ومن جهة أخرى؛ فهو شعر نابع من الواقع المعيش ولذلك صور وعبر عنه سواء من الوجهة الوطنية أم من الوجهة الاجتماعية.
ونتيجة لموضوعاته الشعرية كان المستوى المعجمي: لهذا الشعر يستقي لغته من القرآن الكريم، فلغة القرآن الكريم كانت بالنسبة لهم مطلبا نفسيا حضاريا إنسانيا بل إن الشاعر الشهيد كان يحس بالفاجعة أيام الاستعمار الفرنسي؛ فكان التفجع معبرا يتسلل منه وينغرس في أديم المقدس، ويتماهى معه دون أن يؤدي إلى تفكك بنية النص فتشابكت لغة الحزن ولغة الواقع والمقدس في تمفصلاتها الأساسية مما جعل لغة بعضهم وبخاصة لغة عبد الكريم العقون لغة جمالية نتيجة لمواقف نفسية وخارجية ضاغطة.
وعلى العموم إن لغة الشعراء الشهداء: لغة كلاسيكية من جهة، ولغة شكوى وأسى وتفجع من جهة أخرى وكان للطبيعة حضور مكثف وبخاصة في شعر العقون والربيع بوشامة؛ لغة توحي بأحلامهم ورؤاهم فتلاحمت وشائج هذه اللغة مما ألف لوحات وجدانية هامسة توحي باللون والحركة والإحساس وهو التصور نفسه الذي نجده أيضا في الصورة الشعرية سواء من حيث الصورة المحافظة أم الصورة الرومانسية أما التشكيل الموسيقي فلم يخرج هؤلاء الشعراء على بحور الخليل عموما.
كما أتم الباحثون جمع معظم المعلومات الخاصة بأهم الشعراء الشهداء ودونوها وذلك فق دراسات "Biographie" فكونوا بذلك مدونة لتراجم بعض هؤلاء الشعراء وقد اعتمدوا في هذه المدونة على بعض الكتابات الذاتية لهؤلاء الشعراء وبخاصة ما ورد في كتاب محمد الهادي السنوسي الزاهري؛ شعراء الجزائر في العصر الحاضر ج1، ج2 وكذلك محمد الأخضر عبد القادر السائحي؛ محمد الأمين العمودي، الأدباء الشعراء منشورات المتحف الوطني للمجاهد وكذلك ما كتبه عبد العالي رزاقي في مجلة آمال ع1، ع2 الخاصين بالشعر الجزائري، وكذلك ما كتبه محمد الصالح رمضان في مجلة الثقافة حول بعض هؤلاء الشعراء وبخاصة الأمين العمودي، وكتابات الدكتور محمد ناصر إضافة إلى بعض ما كتب حول الشعراء في الدوريات والرسائل الجامعية مثل كتابات: الشريف مريبعي حول الشاعر عبد الكريم العقون... إلخ.
وعلى العموم فإن فريق البحث قد توصل إلى النتائج التالية:
- إن هذا الشعر كشف لنا عن الالتزام الحق بقضايا الوطن لأنه شعر منافحة، وتمكين لقيم الأمة في لحظات الألم وسنوات الاستعمار البغيض، فكان شعرا إرهاصيا للثورة في شتى المجالات، السياسية، والثقافية، والاجتماعية، كما أبرز لنا عبقرية الشاعر الجزائري المسلم في تمسكه بلغة القرآن الكريم، والكتابة بها في أوقات الشدة، محافظة على كيان أمته، وتثبيتا لأصالتها فكان شعرهم شعر جهاد، وتأريخ لتلك الفترة التي تمتد من الأربعينات إلى أواخر الخمسينات بكل عطائها، وتطلعات الأمة فيها.
إذ نجد فيه أجواء الجزائر المستعمرة، وحب الاستعلاء الفرنسي من غير حق، في لفتات ذكية، وأبيات تفوح بالمرارة والشكوى، وقصائد تتلون بالألم والعذاب، والأمل والرجاء في الوقت ذاته، وبهذا كشف لنا عن طبيعة الإنسان الجزائري، ونقلنا إلى أجوائه الداخلية من حب للوطن، وإيمان بالثورة، وتواصل مع الماضي.
- فهذا الشعر حلقة من حلقات الأدب الجزائري العربي الحديث لأنه حمل إلينا تجارب هؤلاء الشعراء، وتطور شعرهم واتجاهاته الفنية بكل أصالة ومحافظة على بناء القصيدة العربية المحافظة، سواء من حيث إطالة القصائد أم من حيث التزام القصيدة ذات الشطرين المتساويين إلا أنهم حاولوا أن يجددوا في إطار الموشحات، والمسمطات بروح رومانسية، وألفاظ موحية، فكانت الأفكار واضحة، والمعاني صافية، والصور قريبة المنال لا تعقيد فيها ولا غموض.
كما استلهموا التراث واستنطقوا الطبيعة ولكن بفكر الشاعر الرسالي الذي يهدف إلى إيصال فكره أكثر مما يهدف إلى الإبداع، لأن هؤلاء كانوا أكثر الناس تصورا لمأساة الجزائر في تلك الفترة؛ ولذلك كان شعرهم يحمل قيما خلقية، وإنسانية تحررية، وأبعادا وطنية.
وفي الأخير نتمنى أن يدرج أدب هؤلاء في المقررات المدرسية لننمي روح التواصل بين الأجيال ونزيل التعتيم عن هذه الأشعار لنعيد الاعتبار لهؤلاء الأدباء الذين غربوا في وطنهم نسيانا، وتهميشا لسبب أو لآخر.
التسميات
دراسات شعرية