السيرة الذاتية والكتابة عن الذات.. مساعدة الإنسان للتعبير عن حاجاته ورواية قصصه مع كل الهواجس التي يحملها بداخله في جيل الشباب

الكتابة عن الذات، عن حياتنا الخاصة, عن ذكرياتنا, عن فشلنا ونجاحنا، عن عواطفنا، عن الأصدقاء، عن الحب وعن أشياء أخري كثيرة.  إن الأدب العالمي غني بقصص السيرة الذاتية وبشخصيات مشهورة وشخصيات اقل شهرة و لكن بشكل عام هو أدب يتمتع بسحر خاص لأن "كل حياة تستحق أن تصبح رواية".
إن قراءة القصص التي تتحدث عن الحياة الحقيقية المروية بضمير الشخص الأول تتيح فهم الكثير من الأشياء لا نجيد فهمها من قراءة تلك الكتابات التحليلية المهمة في التاريخ والسياسة ( يقرؤها عادة المختصين المكلفين بالعمل في تلك المجالات و ليس عامة الشعب و هي كتابات مملة الى المالانهاية).
عدا عن طريقة السرد التي حققت تطورا رائعا خلال سنوات القرن الماضي لدي عددا من البلدان فأن السيرة الذاتية أصبحت تستخدم في مجالات عده: في الأبحاث ألاجتماعيه و المتعلقة بالثقافة و علم الإنسان و طبعا - بكثرة- في العلاج النفسي.
في السنوات الاخيره توسع استخدام السيرة الذاتيه كنشاط خاص في عملية التعليم التى تهدف إلى تعميق مبدأ اعتبار الطلاب ليس فقط متلقين للمعرفة وإنما هم كائنات غنية بكل ما تحتويه من أشياء يريدون قولها أو سردها.
وبناءا على هذا يجب مساعدتهم للتعبير عن حاجاتهم ورواية قصصهم مع كل الهواجس التي يحملونها بداخلهم في جيل الشباب.
أي مساعدتهم على التطور والبحث مع أنفسهم عن الطريق إلي تحقيق ألذات دون الخضوع لضغط البيئة التي قد تفرض عليهم أنماط معينة. السيرة الذاتية تستخدم أيضا في المجال العلاجي حتى وان لم يكن بشكل طبي.
على سبيل المثال هناك الكثير من الحالات بحاجة إلى علاج مساعد: البيئة الاجتماعية البديلة للمدمنين علي المخدرات، مراكز إيواء للذين يعانون من أمراض مزمنة و المعاقين، مجموعات الشباب التي تعانيمن انحراف في السلوكيات نتيجة لظروف خاصة تعود للأوضاع العائلية الصعبة التي يعيشونها، مراكز كبار السن الذين يشعرون أن حياتهم شارفت على الانتهاء وأنهم عبء على المجتمع لا فائدة من  وجودهم.
كل هؤلاء عندما يبدؤون برواية قصصهم يكتشفون عمقا أخر في حياتهم و متعة جديدة.
عدا عن كل مجالات الاستخدام هذه يجب الآخذ بعين الاعتبار الأهمية الثقافية لجمع قصص عن الحياة الحقيقية  كثروة اجتماعية.
هذا أيضا اخذ بالانتشار بكثرة في السنوات الاخيره في عدد من الدول.
في أوروبا هناك العديد من ارشيفات الذاكرة القومية التي تشبه المكتبات و لكن بدلا من ان تحتوي كتب للنشر والبيع تحتوي علي قصص شخصيه كتبها وأرسلها أناس عاديين وليس كتاب أو أدباء معروفين.
أحيانا تكون مكتوبة باللهجة الدارجة مليئة بالأخطاء اللغوية و هذا هو مصدر غناها  و جمالها.
في ايطاليا تأسس أول ارشيف للذاكرة سنة 1987 من قبل احد الصحفيين الذي أحب جمع قصص من الحياة اليومية.
الآن يحتوي هذا الارشيف[1] على ما يقارب الخمسة الآف من السير الذاتية (في تطور متنامي حيث يصل المئات من السير المكتوبة كل عام) التي تشكل ثروة ثقافية و تاريخية مهمة للوطن.
المئات من هذه القصص كتبت في فترات الحروب العالمية من قبل أناس عاشوا ويلاتها أو كتبها مهاجرين ايطالين تعرضوا للقهر و الجوع أثناء بحثهم عن عمل في أمريكا و استراليا خلال منتصف القرن الماضي.
قصصهم مشحونة بالعواطف و يصفون بها عوالم لم تعد قائمة.
هناك أيضا قصص عن حياة الفلاحين وعن تقاليد لم تعد موجودة في ايطاليا, و قصص كتبها أناس عاشوا مع الأمراض المزمنة، والكثير من قصص الرحلات و العنف الأسري.
كل هذا سوف يشكل مصدرا غنيا لباحثي" الآثار" في المستقبل وقد بدأ فعلا استخدام تلك السير من قبل الطلاب في كتابة أبحاثهم.
عدا عن ارشيفات الذاكرة على المستوي القومي بدأت أيضا في الانتشار على المستوى الإقليمي ارشيفات أخرى في المجتمعات المحلية  و هي كنوز صغيرة تكمن أهميتها في المحافظة علي ثقافتها و هويتها.
يقول عالم الاجتماع هامبت به من المالي "في أفريقيا كل كهل يموت يعني أن هناك مكتبة تحرق".
فعلا أن نفقد ذاكرة من كنا يعني فقدان شيئا مهما من جذورنا.
انه لمن المحزن أن نرى العديد من الثقافات فد اختفت خلال السنوات الماضية في زوبعة التطور العصري وكم منها تغير بسرعة  خاصة في البلدان الفقيرة ولم نعمل أي شيء في المحافظة علي ذاكرة هؤلاء الكهول لإلقاء الضوء علي أنماط الحياة السابقة قبل أن يغزو نمط الحياة الرأسمالي بشكل كامل الكرة الأرضية.
في نفس الوقت يتم اغناء ارشيفات الذاكرة بسير ومذكرات يكتبها العمال المهاجرين من البلدان الفقيرة أو تلك التي تجتاحها الحروب.
وبذلك تصبح شاهد علي العصر الذي يتغير و كيف يتغير. المهاجرين يحكون قصصهم، يتحدثون عن أحلامهم, عن غربتهم و عن صعوبة اندماجهم في حياة البلدان الجديدة مع كل ما يفرزه ذلك من مشاكل.
هذا أيضا قد يصبح أداة حوار جديدة بين الثقافات المختلفة.
ختام المسك: بما ان السيرة الذاتية لاقت نجاحا واسعا في الكثير من المجالات ولم تكن المدارس بمنئي عن ذلك.
وأوضح هنا أن الأمر لا يتعلق بمدارس" تعلم الكتابة "التاريخ الذاتي بالعكس لاا يوجد نمط معين من كتابة السيرة الذاتية ولا يوجد سيرة صحيحة أو خاطئة!.
بالتأكيد هناك من يكتب أفضل و من يكتب أسوء. هذا ما يعطي جاذبية إلي حد ما بالنسبة للقارئ المحتمل لتلك القصص.
ولكن المهم هنا أن كتابة السيرة الذاتية تفيد من يكتبها بالدرجة الأولي و ليس من يقرؤها.
ومن الممكن أن لا يقرؤها احد. هناك الكثيرين يكتبون ولا يريدون أن يقرأ أحدا قصصهم (كم من النساء يعيشون ظروفا عائلية صعبة  يخفون ما يكتبون عن أزواجهم! و كم من الشباب يخفون ما يكتبون عن الوالدين!).
إن الأمر يتعلق بمدارس للذاكرة هدفها أن تعلم التذكر.
أن نتذكر دون خوف كما يحدث في الكثير من الحالات من اجل سرد ذاكرتنا دون قلق أو خجل أو هيبة من أحكام الآخرين.
هذه المدارس تمنح الفرصة للتمارين والحوافز والاقتراحات من اجل محاسبة الماضي الشخصي حتى لو بدت  كفة الميزان تميل إلي الأشياء السلبية.
فمن الممكن أن يكون الغوص في الذكريات البعيدة الدفينة ذو فائدة في إعادة اكتشاف مسارات حياتنا التي قد تبدو غير قائمة و المضي قدما متصالحين مع ذواتنا.
[1] الصحفي المؤسس هو سيفريو توتينو. و كان احد المؤسسين لاحدى اهم الصحف اليومية الايطالية في 1975 "لا ريبوبليكا".
الارشيف يقع في بلدة " بيفه سانتو ستيفانو" ف ضواحي مدينة اريتسو.
عندما تصلون الي تلك البلدة بين التلال المحيطة بها  الغنية بالتاريخ الانساني, ترون لوحة مكتوب عليها "بيفه سانتو ستيفانو مدينة اليوميات".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال