بلغت العناية مستوى طيباً بتعريب المصطلح السردي في ترجمة كتاب جيرالد برنس «المعجم السردي»
A Dictionary of Narratology (الصادر بالإنجليزية عام 1987 ضمن منشورات جامعة نبراسكا)، وحملت الترجمة اسم السيد إمام (مصر) وعنوان «قاموس السرديات» (2003)، وترجم جزءاً من مقدمة المؤلف التي نشد فيها أن يكون معجمه «مرشداً للكثير من المصطلحات والمفاهيم والطموحات التي تطبع دراسة السرديات، وأن يكون كذلك حافزاً لتطوير وشحذ وصقل الأدوات الخاصة بهذا المجال . وحرص المترجم على ذكر المصطلحات السردية باللغتين الإنجليزية والعربية، وظهرت الترجمة الثانية في العام نفسه لعابد خزندار (مصر) بعنوان «المصطلح السردي: معجم مصطلحات» (2003)، وأرفقت الترجمة بالمراجعة والتقديم لمحمد بريري.
لعل هذه الترجمة بمراجعتها هي الأدق والأقرب لعلم السرد، وقد أوضح المراجع حداثة هذا العلم الذي عدّه ربيب الفكر البنيوي، بينما تشهد تطورات المنهجية العلمية إلى أثر الشكلانية الروسية والنقد الجديد الكبير في تحديث
النقد ومصطلحاته، ولاسيما السرد. ونظر المراجع في شغل برنس الذي عرّف بمصطلحات علم السرد دون إفراط أو تفريط، مؤكداً «أن السرد أو الحكي» ظاهرة إنسانية تضرب بجذورها في عمق التاريخ البشري. ولا يخلو تراث أي لغة من ظواهر سردية نطلق عليها تسميات مختلفة؛ فنسميها قصة أو رواية أو حكاية شعبية أو أسطورة أو مقامة أو غير ذلك مما قد لا يتأتى حصره بسبب عمق تاريخ السرد وتنوع أنماطه في الثقافات المختلفة.
وأوجز رأيه في نشوء المصطلح السردي من علم السرد إلى مصطلحاته الكثيرة والمتنامية حسب المناهج النقدية الحديثة، ولاسيما البنيوية، وانتقد دعاة نظرية عربية في النقد دون تسويغ فكري، وأطلق على اتجاهات ما بعد البنيوية أحكاماً غير معللة، ولا توافي، في الوقت نفسه، طبيعة هذه المناهج مثل السيميائية والتفكيكية والحفر المعرفي والنقد الثقافي، فهي لم تنسخ علم السرد، وإذا نظرنا على سبيل المثال في النقد الثقافي، نلاحظ إلى حدّ كبير استغراق المصطلح في عناصر التمثيل الثقافي والتناص والمتعاليات النصية والتداولية، بينما اكتفى المراجع بإطلاق الأحكام.
وثمة انتقاد يفتقر إلى وعي سيرورة التقاليد الثقافية والأدبية الناظمة للمصطلح السردي، فقد اختلط مفهوم القطيعة المعرفية والنقدية مع مفاهيم أخرى للصراع الفكري والحضاري كقوله:
«أما الدعوة إلى القطيعة مع التفكير النقدي المعاصر بحجة أنه لا ينبع من ثقافتنا القومية فهي دعوى إلى القطيعة مع التفكير العلمي في الظاهرة الأدبية. وفضلاً عن ذلك فإن «فلاديمير بروب» الذي يعدّ أحد رواد الفكر البنيوي السردي إنما أسس نظريته على النظر في مادة الأدب الشعبي، أي إنه لم يعول على الأشكال القصصية الغربية بخاصة كما أن «ليفي شتراوس» في فحصه للبنية اتخذ الأساطير مادة لبحثه، وليست الأساطير مما يخصّ ثقافة دون أخرى.
ويشي تدقيق هذه الأحكام بتنازعاتها في مجالات معينة، فلا يصح أن نفصل الأدب الشعبي السردي عن السرد باللغة الفصحى، كما أن الإنجاز البنيوي ليس وحده المتمثل في النظرية السردية ، إذ أدى إلى تناول أشكال القص على أساس علمي منضبط، فالمناهج النقدية متوالية ومتعالقة، وكان تعليقه مناسباً على تشكلات علم السرد كلما رهنه بالعلمية ورؤاها المنهجية، وتشير خلاصته إلى أن «علم السرد ما هو إلا محاولة للعثور على مجموعة القواعد المفسرة لظواهر الحكي. وليس ثمة ما يمنع من أن يتغير هذا العلم نتيجة ملاحظة بعض النقاد لظواهر سردية لم تكن موضع بحث؛ مما يستدعي تدقيق النظرية وتوسيع مجالها لتشمل أفقاً جديداً يجاوز الأفق السابق ويحتويه في آن و احد في مسيرة أي علم من العلوم ليس هناك قطيعة بين الماضي والحاضر. نضرب ذلك مثلاً بأحد مصطلحات هذا المعجم الذي بين أيدينا، وهو مصطلح «المؤلف الضمني»
Implied auther؛ فهو وإن كان ينطوي على تصور جديد يفصل بين المؤلف الحقيقي والراوي من جهة والمؤلف المستخلص من النص بكل تفاصيله من جهة ثانية؛ فإن التصور نفسه ليس جديداً كل الجدة، وقد استخدم لطفي عبد البديع مصطلح «القائل التخييلي» معبراً من خلاله عن تصور شديد القرب من التصور السردي، وإن كان مدار كلامه عن الشعر لا السرد، وهو ـ على كل حال ـ يرى أن القائل التخييلي هو تلك الذات المستخلصة من وجوه التعبير المختلفة المبثوثة في القصيدة، وهي ذات لا تطابق ذات القائل الحقيقي (ويعود كلام لطفي عبد البديع إلى عام 1970.
وأشاد المُراجِع بجهد المترجِم، اختياراً ودقة وتوقيتاً، فالمعجم حديث الصدور مما ينبغي التواصل مع تراث الإنسانية والتطور المعرفي والنقدي العالمي. أما المؤلف فقد أوضح في مقدمته التي ترجمت كاملة أنه اعتمد على المصطلح السردي وبناه السيميائية المتواصلة مع التراث النقدي العالمي، فعرّف وشرح وصّور في هذا المعجم المصطلحات الخاصة بعلم السرد:
«في هذا القاموس أُعَرِّف واشرح وأصور المصطلحات الخاصة بعلم السرد: (مثلاً
extradiegetic, narreme وحدة السرد، العالم الواقع خارج مادة الحكي)، وهي مصطلحات يختلف تقبلها السردي عن تقبلات غيرها (مثال: صوت، تحول) ومصطلحات أخرى تنتمي دلالتها العادية أو التقنية إلى مجال معنوي سائد أو خاص بالوصف أوا لمطارحات السردية (مثال: الشفرة، قاعدة إعادة الكتابة). وقائمتي ليست مستغرقة فقد احتفظت فقط بالمصطلحات التي تتمتع بتداول واسع في علم السرد، مصطلحات تستخدم ويمكن أن تستخدم من السرديين بتفضيلات نظرية ومنهجية مختلفة، وفضلاً عن ذلك فقد ركزت على مصطلحات ذات صلة في استخدامها في السرد القولي وليس في غير القولي، وأعتقد أن هذا الانحياز يعكس انحياز السرد نفسه، وحاولت ألا أهمل أي اتجاه مهم، وعلى أية حال فقد كنت مؤثراً لما أصبح يعتبر العمل السردي الأكثر تأثيراً في العشرين عاماً الماضية، وذلك الخاص بالفرنسيين والسرديين الذين استلهموا أعمالهم.
وتغاضى عن المصطلحات الممعنة في اللغة والبلاغة والتداولية، وعمد إلى الاستخدام المستفيض للإشارات المرجعية المناظرة لتوسيع المعرفة بهذا المصطلح أو ذاك، ولتوضيح العلاقات والمقابلات والسياقات، وللإشارة إلى أمثلة توضيحية، ولم يراع المترجم الأول (السيد إمام) مثل هذه الإشارات المرجعية في ترجمته، ويلاحظ أن المترجمين (إمام وخزندار) لم يترجما ثبت المراجع الموجود في نهاية المعجم، بينما اكتفى خزندار بذكر الإشارات المرجعية في نهاية كل مصطلح، وعززها أحياناً بشروحه.
التسميات
أعلام