تشير موسوعة لالاند الفلسفية إلى أن الحجاج سلسلة من الحجج تنتهي بشكل كلي إلى تأكيد نفس النتيجة، وربما نص هنا على كونه طريقة تنظيمية في عرض الحجج، وبنائها وتوجيهها نحو قصد معين يكون عادة الإقناع والتأثير، فتكون الحجة في سياق هذا العرض بمثابة الدليل على الصحة أو على الدحض، وأما مصطلح البرهنة والبرهان فيشيان باستنباط دليلي يوجه لتأكيد نتيجة سالفة باعتماد مقدمات صادقة.
وهكذا سنسمي حجاجا تلك الطريقة أو ذلك الأسلوب الذي يسلكه الخطاب لإضفاء سمة التماسك القضوي والشكلي والدلالي على ما ينسج من تراكيب تمنح الخطاب بعدا إقناعيا في التواصل اللغوي.
ويذهب شارل بريلمان (Ch.Prelman) إلى أن الحجاج سمة تصف كل الخطابات، غايتها الاستمالة والإقناع ضمن العلاقة بين الأنساق الصريحة والضمنية، وهذا بالضبط ما قرره دي كرو من وجود مؤشر حجاجي في كل معنى حرفي جملي يستدعي مضمر السياق للإيحاء بنتيجة ما مقنعة أو غير مقنعة.
وتطلق لفظة حجاج و محاججة عند بريلمان وتيتيكاه على العلم وموضوعه، ومؤداها درس تقنيات الخطاب التي تؤدي بالذهن إلى التسليم بما يعرض عليها من أطروحات، أو أن تزيد في درجة التسليم وربما كانت وظيفته محاولة جعل العقل يذعن لما يطرح عليه من أفكار، أو يزيد في درجة ذلك الإذعان إلى درجة تبعث على العمل المطلوب.
على أن الحجاج مثلما أنه ليس موضوعيا محضا فإنه ليس ذاتيا محضا؛ ذلك أن من مقوماته حرية الاختيار على أساس عقلي، وعلى صعيد آخر يمكن القول بأن الحجاج في ارتباطه بالمتلقي يؤدي إلى حصول عمل ما أو الإعداد له، ومن ثم سيكون فحص الخطابات الحجاحية المختلفة بحثا في صميم الأفعال الكـلامية وأغـراضها السياقيـة، وعلافة الترابط بين الأقوال والتي تنتمي إلى البنية اللغوية الحجاجية.
وسيكون الحجاج مؤطرا بالخاصية اللسانية الشكلية، وليس بالمحتوى الخبري للقول الذي يربط القول بالمقام، ولما كان الأمر كذلك فإن تركيز التداولية ينصب على العلاقات الترابطية بين أجزاء الخطاب والأدوات اللسانية المحققة له، ومن خصائص الخطاب الحجاجي الذي يميزه عن البرهان أو الاستنتاج إمكان النقض أو الدحض مما يجعل من إمكانية التسليم بالمقدمة المعطاة أمـرا نسبيـا بالنسبـة إلى المخاطب.
وتتصدر المحاججة بوصفها وظيفة لسانية قائمة الوظائف اللغوية بالرغم من عدم إشارة الدارسين الذين تناولوا موضوع وظيفة اللغة إليها مثل:بوهلر و جاكبسون ومارتنيه وبراون وييول وهاليدي وفان ديك وغيرهم..إلخ.
إن القول اللغوي ينجز في ظروف معينة قصد التأثير في المتلقي مستعملا وسائل لغوية موجهة للخطاب نحو غاية معينة، وبالتالي سيكزن من الوجيه أن يميز بين الحجاج (argumentation)، والبرهان (demonstration) فالحجاج ليس خطابا برهانيا منطقيا وعقليا بالأساس -كما يتصور البعض- يقتضي البرهنة على صدق قضية ما مثلما هو الأمر في الاستدلال المنطقي (syllogisme) وإنما هو خطاب لغوي طبيعي عادي احتمالي في نتيجته التي يتوصل إلى معناها بالتأمل في البنية اللغوية، ووسائل الربط المقيدة للحجج والمنسقة بينها، إن ما يفرق بينهما كونه (الحجاج) مؤسسا على بنية قولية لغوية متسلسلة داخل نص ما لاعلى مقتضى الأقوال المنطقية التي ينشغل بها النص الفلسفي الاستدلالي.
التسميات
حجاج