المقاربة الوظيفية لسوسيولوجيا التربية.. دراسة العلاقات المتبادلة بين المجتمع كبناء، والتربية كنظام، والمدرسة كمؤسسة اجتماعية ترتبط بالمؤسسات الاجتماعية الأخرى

تنظر الوظيفية إلى المجتمع باعتباره "نسقا اجتماعيا واحدا،كل عنصر فيه يؤدي وظيفة محددة" وتؤكد كذلك على"ضرورة تكامل الأجزاء في إطار الكل".

وعليه، ترى الوظيفية المجتمع باعتباره نسقا اجتماعيا متكاملا، يقوم كل عنصر من عناصره بوظيفة معينة للحفظ على اتزان النسق واستقراره، وتوازن المجتمع واستمراره، ومعالجة الخلل دون المساس بالنظام الاجتماعي القائم، من خلال الاتفاق على معايير التنظيم الاجتماعي، التي يجب الخضوع لها، والاشتراك في قيم الحياة الاجتماعية، التي يجب الالتزام بها من أجل صيانة المجتمع، وترسيخ استقراره واستمراره.

لذلك هناك من صنف المدرسة الوظيفية ضمن الاتجاهات الإيديولوجية المحافظة.
وتحت تأثير الوظيفية، تم الاهتمام بدراسة العلاقات المتبادلة بين المجتمع كبناء، والتربية كنظام، والمدرسة كمؤسسة اجتماعية ترتبط بالمؤسسات الاجتماعية الأخرى، وتتفاعل معها في تحديد وظائفها، وتحقيق أهدافها.

وعليه، تم التركيز على العلاقة بين المجتمع والتربية والتعليم والاقتصاد،من أجل تكييف عناصر النظام الاجتماعي ووظائفه، حتى يستمر في البقاء والعمل في انتظام؛ فتم الربط بين التربية والبيئة الاجتماعية،من خلال انتقاء وتوزيع وتدريب وإعداد قوى العمل اللازمة لسوق العمل؛ وينصب الاهتمام، كذلك، على رصد كل أنواع الخلل التي تعوق نظام التعليم عن تأدية وظيفته في تدريب الأفراد، وتصنيفهم وتشكيلهم في مكانتهم الاجتماعية،التي يستحقونها طبقا لقدراتهم العقلية وإنجازاتهم الدراسية.

وانطلاقا من المقاربة الوظيفية، تم الاهتمام بمعالجة الخلل في النظام التعليمي من خلال التركيز على دراسة نظام التعليم ذاته، او في علاقته بالنظم الفرعية الأخرى في المجتمع دون أن تشير إلى الخلل القائم في النظام الاجتماعي العام.

كما نجد أن بعض الدراسات صنفت المقاربات الوظيفية إلى مقاربة وظيفية كلاسيكية ومقاربة وظيفية تكنولوجية؛ حيث قامت المقاربة الوظيفية الكلاسيكية على فكرة الفروق الفردية الوراثية، التي تجعل الفرد يولد ولديه مقدار شبه تابت من الكفاءة والذكاء.

لذلك حينما تقوم التربية المدرسية بوظيفة الاصطفاء والترتيب الهرمي للتلاميذ حسب إنجازاتهم وتهيئهم لأخذ مراكز اجتماعية متفاوتة، فإن هذه المقاربة تعتبر ذلك أمرا طبيعيا وعاديا، لأن التربية المدرسية تؤلف عن طريق التنشئة الاجتماعية، التي تساعد الفرد على استضمار قيم ومعايير المجتمع ككل، وتفرق عن طريق الاصطفاء، لأنها تعمل على تطوير الكفاءات والانجازات الفردية، شريطة أن تكون معايير الاصطفاء موضوعية فقط.

وقد تميزت فترة ظهور الوظيفية التكنولوجية (1950-1960) بوجود حاجيات جديدة لليد العاملة المؤهلة في المجتمع الصناعي الغربي، الذي بدأ يعرف تقدما تكنولوجيا سريعا ونموا اقتصاديا كبيرا.

وقد تقاطعت الوظيفية التكنولوجية مع نظرية الرأسمال الإنساني في كون التربية استثمار منتج على المستوى الفردي والاجتماعي، لذلك يجب استثمار كفاءات الفرد إلى أقصى حد، وفق ما تسمح به قدرات وحاجيات المجتمع، لكي لاتهدر الموارد البشرية الثمينة.

وقد سادت في هذه الفترة، كذلك، قناعتان أساسيتان: الأولى سياسية، تقول بان الانفجار والانتشار الكبير للتربية هو أحسن وسيلة لدولة تريد أن تكون ديمقراطية لكي تحد وتقلل من التمايزات الصارخة، والفروقات السوسيواقتصادية؛ والثانية اقتصادية، ترى أن التربية تساهم في التنمية الاقتصادية وذلك بتأهيل اليد العاملة وإعداد الأطر الملائمة (نظرية الرأسمال الإنساني) (سلسلة التكوين التربوي، عدد3).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال