من خلال الرجوع إلى بيانات الإحصاءات الجنائية العربية، سواء منها ما يصدر عن المكتب العربي لمكافحة الجريمة التابع للأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب سنوياً، أو التقارير الإحصائية الجنائية الوطنية الصادرة عن بعض وزارات الداخلية أو دوائر الشرطة والأمن العام في الدول العربية، يجد المرء نفسه غير قادر على تكوين فكرة واضحة جامعة وشاملة ومفيدة عن أوضاع الجريمة في الوطن العربي (هذا في حال ما إذا تيسرت البيانات بسهولة لأن عددا من الأقطار العربية لا تزود المكتب العربي المذكور بإحصاءات الجريمة لديها لأسباب مختلفة).
وبهذا فإن أكثر البيانات لا تساعد في الوقوف على تفسير كيفية تغير مناسيب الجريمة, ومدى تفشيّها وانتشارها خلال فترة زمنية معينة، أو التعرف على سمات وظروف هذه الجرائم ومرتكبيها، أو السلوك الإجرامي الحاصل، أو الاتجاهات العامة لمثل هذه الأوضاع.
فلازالت هناك حالة من عدم الاهتمام بالبيانات والمعلومات المسجلة لدى أجهزة العدالة الجنائية العربية، إضافة إلى عدم انتهاج أصول وخطط التبويب والتصنيف.
ويلاحظ المرء أنه على الرغم من أن هناك نشاطاً جيداً مبذولاً من قبل أجهزة العدالة الجنائية في تناول قضايا الجرائم على اختلاف أنواعها من حيث القبض على المتهمين، والتحقيق معهم، ومحاكمتهم، وإيقاع العقوبات والتدابير عليهم، وما تبذل من جهود تصل إلى حد الاستشهاد والتضحية في مطاردة الجريمة.
إلا أن هذه المؤسسات رغم ممارستها كل هذه الأنشطة المتتابعة والمستمرة، وتدوينها جميع مجرياتها وتفاصيلها في سجلاتها، نجد معظمها غير مستطيع غالباً أن يقدم عن نفسه صورة واضحة ودقيقة لتفاصيل مواجهته أوضاع الجريمة ونوعية وخصائص المجرمين، إلا بقدر محدود.
إن الوصول الى ذلك لا يتم إلا من خلال الاهتمام بالإحصاء الجنائي واعتماد الطرق الحديثة والمنهج العلمي، والاهتمام بإعداد الكوادر الكفوءة في مجال إحصاءات الجريمة.
إن إحصاءات أجهزة العدالة الجنائية في معظم الدول العربية (الشرطة، القضاء، المؤسسات العقابية، وهي الجهات المسؤولة عن تناول قضايا الجريمة والمجرمين) مازالت تقتصر على التسجيل الروتيني، حيث البيانات مقتضبة ولا تتعدى مجال التعداد على الرغم من أن الإحصاءات المسجلة والمفصلة هي المعين الأول الذي تستقى منه المعلومات، للوقوف على أوضاع الإجرام في الأقطار العربية.
يضاف الى ما تقدم, مشكلة اللامبالاة في تدقيق الأرقام الاحصائية، حيث اكتشفت دراسة قمنا بها على صعيد الوطن العربي، وجود بعض التناقض والاختلاف بين الأرقام المعطاة الى المكتب العربي لمكافحة الجريمة، وتلك المعطاة الى الأمم المتحدة – سواء لبرنامج التنمية البشرية، أو إلى دائرة الأمم المتحدة لمنع الجريمة - او إلى منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الانتربول)، وهو تباين قد يعود الى التباين في التصانيف المعتمدة, أو الى أسلوب ملىء الاستمارات, أو تعدد المصادر داخل أجهزة الشرطة والداخلية، او عدم أيلاء الدقة المطلوبة.
التسميات
إحصاء جنائي