يلعب الإعلام في عصر العولمة دوراً رئيساً في توجيه المجتمع، وبلورة مفاهيمه الحضارية وقيمه الدينية ورؤيته الإستراتيجية، فتقنية المعلومات والاتصال والإعلام الفضائي أتاحت الانفتاح على العالم، من خلال تغطيتها للكرة الأرضية بشبكة من الضبط والتوجيه والتبادل المعلوماتي السريع، والذي سمح بتجاوز حدود المكان والزمان، وجعل العالم على اختلاف تنوعه شاهداً على الإبداع الحضاري للإنسان.
هذه النقلة "العولمية" إن جاز التعبير تتطلب بالفعل ضرورة إعادة تشكيل بيئة الإنسان وحياته في المجتمعات الخليجية ودولها، وهي تتأهب للتخطيط المستقبلي حتى عام 2025م.
وإذ كُنَّا في عصرنا نؤمن بأن تحديث أي مجتمع لا ينطلق من التطورات التكنولوجية فحسب، بقدر ما ينطلق من القدرة على تكوين مجموعة من المؤسسات الثقافية والإعلامية التي تمتلك أدوات تعزيز واستمرار التحديث والتجديد، فإن نظام العصر يفرض علينا الإيمان بأن المجتمع ليس مجموعة المؤسسات التربوية السلطوية، بل هو طرق التدريب العقلي والمعرفة المتنامية، والتخطيط المرتبط بفلسفة التربية والنشاطات الثقافية التي تقوم بها المؤسسات الثقافية والإعلامية والتشريعية، لتعزيز مهارات التفكير الإبداعي القائم على تجديد الأدوات الإدراكية والمعرفية، بما يحقق الاستقلال الذاتي لأجيال المستقبل في تشكيل تصوراتهم، باقتدار ونقد وأصالة، واستيعاب لقواعد التفاعل الإيجابي الخلاق مع تجليات التقدم العلمي والتقنيات وحقائق العصر.
من هذا المنطلق فإن أهمية الإعلام "العلمي" كجزء جوهري من منظومة الإعلام التنموي، تصبح أمراً حيوياً ولازماً لتوفير الثقافة العلمية المطلوبة في زمن التنوع الثقافي والابتكار والإبداع والتجديد لتحقيق التنمية والتقدم، والمشاركة في دفع عجلة التنمية وبناء صورة إيجابية داخلياً وخارجياً في دول المنطقة برمتها. ونعني بالإعلام "العلمي" ما هو قائم على المهنية، لا على تأكيد "الماورائيات".
وإذا كانت حيوية الإعلام الثقافي مسألة أكيدة في دفع عجلة التنمية والاستثمار الفعلي لطاقتنا المستقبلية في الموارد البشرية والمادية، فإن إعلامنا العربي في دول الخليج ينبغي أن يطور وفق الاتجاهات التالية:
* تأكيد مبدأ المسؤولية الاجتماعية للإعلام، بحيث يؤدي الإعلام ووسائله دوراً إيجابياً في التربية والتماسك الاجتماعي والتفكير العقلاني، والارتقاء بالوعي العام للأفراد في المجتمعات الخليجية.
* تحرير وسائل الإعلام من هيمنة الرأي الواحد، وفتحها للحوارات والمشاركات الفكرية الجادة والمتزنة المبنية على العقل، أمام شتى الفعاليات الوطنية في المجتمع.
* إنشاء مجلس أعلى للإعلام، يضم نخبة المتخصصين الإعلاميين، وعلماء الشريعة والتربية، وقادة الفكر والرأي في المجتمع، يتولى صياغة السياسة الإعلامية وفق الهوية الوطنية والأهداف العليا للبلاد، ويراقب تنفيذها([1]).
* تطوير قوانين النشر بما ينسجم ومواثيق العمل الوطني المبتغاة، من حيث حرية التعبير وإصدار وسائل النشر والإعلام وامتلاكها.
* الحرص على تقديم البرامج الإعلامية - وخاصة المتلفزة منها - التي تشجع وتنمي الجانب الثقافي التنموي العقلاني المنتج لدى عموم الناس.
إننا نعيش في عصر تحكمه حضارة مبرمجة رقمية، وتسعى بتخطيط مدروس داخل قواعدها العلمية إلى السيطرة على مختلفة مقدرات الأمة الذاتية والموضوعية، ولهذا فإننا مطالبون جميعاً بالوعي والمنهجية والتخطيط لحاضرنا، لكي نتمكن بقدراتنا وإرادتنا من صنع مستقبل أفضل لأجيالنا على مدى السنوات القادمة.
ليس كثيرا أن نقول: إن "الفجوة الرقمية" التي يعاني منها العرب ككل تعاني منها دول مجلس التعاون، وهي ظاهرة بين أعيننا، فكثير من العاملين اليوم في "التقنية" في دولنا هم إما من القارة الهندية أو الأوروبية أو الأميركية، والتعليم التقني والفني لم يلتفت إليه كما يجب حتى حينه. في عام 2025 ربما سنرى نفس الوجوه تقريبا، ذاك إذا استمر الوضع الاقتصادي على ما هوعليه.
([1]) الإعلام والمؤسسات الثقافية ودورها في تننشئة الأجيال المبدعة (مقال) للدكتورة/ مريم آية أحمد، مجلة الكلمة، منتدى الكلمة.. الدراسات والأبحاث، بيروت - ع/42/ السنة/11/2004م، ص 70.
التسميات
مستقبل الخليج