الشباب في دول مجلس التعاون الخليجي والوعي السياسي.. الوعي والتنظيم والتجاوب والاستعداد للتفاعل مع القضايا الاجتماعية والسياسية في دول مجلس التعاون الخليجي

كلمة "الشباب" كلمة ذاع صيتها وكثر استخدامها في مجالات الخطاب السياسي ووسائل الإعلام الجماهيرية، ودون الدخول في شرح تفصيلات لمعنى الكلمة في مجال الدراسات الاجتماعية سواء في علم النفس والتربية، أو في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا.. إلخ، فالكلمة تعني –إجمالاً– "خصائص القوة والنشاط والجمال والذكاء والشهامة"([1]).

ويهمنا في هذا الصدد فئة الشباب الجامعي في المجتمعات الخليجية، باعتبارهم يمثلون الشباب "المثقف" الذي يتسم بالوعي والتنظيم والتجاوب والاستعداد للتفاعل مع القضايا الاجتماعية والسياسية في دول مجلس التعاون الخليجي. حيث تجدر الإشارة إلى أن قضية التحولات في الوعي السياسي والاجتماعي للشباب قياساً على تأثير أحداث تاريخية وظواهر سياسية وعالمية معاصرة – كظاهرة العولمة مثلاً– تقع في قلب هذه الإشكالية العلمية. "وفي العمق تنهض قضية التحديات التاريخية التي تحيط بالوطن –بأبعاده القومية والوطنية– الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن طبيعة تلك التحديات وكيف ترتسم صورتها في الوعي الشبابي عند طلاب الجامعة؟

ومن هذا المنطلق يمكن القول: "إن الوعي السياسي هو الحالة التي يتمثل فيها الفرد أو أفراد المتجمع قضايا الحياة السياسية بأبعادها المختلفة، ويتخذون من هذه القضايا موقفاً معرفياً ووجدانياً في آن واحد"([2]).

إذن فالوعي السياسي هو "مجموعة من القيم والاتجاهات والمبادئ السياسية التي تتيح للفرد أن يشارك مشاركة فعاله في أوضاع مجتمعه ومشكلاته بحيث: يحللها ويحكم عليها ويحدد موقفه منها ويدفعه إلى التحرك من أجل تطويرها وتغييرها".

ويتساءل بعض الباحثين قائلاً:
هل نحن أمام مرحلة تاريخية تفضي لعولمة سياسية من شأنها أن تلغي الحدود الجغرافية السياسية القائمة بين الدول؟ وبالتالي ولادة نظام السياسة الموحدة كصورة نهائية لمخاض النظام الدولي الجديد تحت خيمة العولمة؟([3]).

والواقع أنه طبقاً لعملية التغيير الاجتماعي في المجتمعات والتي تأتي في العديد من صورها بفعل القوى الشبابية في المجتمع، يمكن القول: إن المجتمعات الخليجية المعاصرة ستشهد تحولات سياسية واجتماعية وفكرية، تكون فيها العولمة إحدى أهم المتغيرات التي ساهمت -ولا تزال- في إحداث الكثير من مظاهر التغيير الاجتماعي في هذه المنطقة خاصة والوطن العربي عامة خلال العقود القليلة المقبلة.

ومع التطور المتسارع في حقل النظام المعلوماتي الذي شهده العالم وما يعكسه ذلك من حراك ثقافي مؤثر في الساحة العالمية والدولية فإن هذه "المنظومة" ستمثل مفردة مهمة في الذهنية المجتمعية، لا تلبث أن تتحول إلى رمز، ومن ثم إلى عرف من الأعراف التي تتوارثها المجتمعات، أو بالأحرى تتأثر بها لا بوصفها أعرافاً قومية، بل بوصفها أعرافاً ذات بعد عالمي يشمل كل الثقافات وكل المجتمعات، مع ملاحظة قابلية كل ثقافة من هذه الثقافات لهضم وتمثل هذه القيم (الأنساق) الحضارية (العولمية) بالمقارنة مع ثقافات أخرى، مضافاً إليها هذه القابلية للتلقي أو الاكتساب –إن جاز التعبير– وفهم الأدوات والوسائط التي بموجبها تصل هذه المفردة (ثقافة العولمة) للمجتمع. سواء بفعل التأثير (الضرورة) أم بفضل التفاعل الثقافي والفكري (تلاقح الثقافات).

 وبالتالي يجيء هذا التغيير الثقافي كتعبير عن حالة النماء المعرفي.. حيث تساهم تقنية المعلومات والاتصال في نقل الثقافة وحركتها التي تسهم من دون شك في البناء المعرفي لتلك المجتمعات الخليجية خصوصاً.

وما يجب التنبيه إليه هنا هو أن طبيعة التواصل الحاصل بين الأفراد (الشباب هنا) والمجتمعات الأخرى (دول العولمة) ينطلق من تصورات ورؤى ثقافية وحضارية محددة، تحمل في تفاعلها هذا خصوصيتها الحضارية والثقافية، حيث تكون هذه العملية المستمرة والدائمة بفعل التراكم الزمني لعملية التواصل سمة ثقافية تنطبع عليها أغلب –إن لم يكن– كل الثقافات البشرية، لا من حيث الإزاحة ولكن من موقع أن هذه المفردة (ثقافة العولمة) لم تعد ملكاً لثقافة دون غيرها.

ولا شك أن فئة الشباب في المجتمعات الخليجية "ستتمثل هذه المفردة (العولمة)، وتعدها جزءاً من مكونها الثقافي، بغض النظر عن موقف هذه الفئة الشابة من هذه المفردة من حيث القبول أو الرفض، السلب أو الإيجاب، "ففي الحالتين يأتي هذا الفعل تعبيراً صريحاً عن موقف"، والموقف –في أبسط معانيه سلوك، والسلوك ثقافة تحمل في جوهرها مضامين هذا الموقف وأبعاده."([4])

وكما يقول عبد الإله التاروتي "... سوف لن تعاني الفئة العمرية الشابة الغربة على الصعيد المفاهيمي بالنسبة لتعاطيها مع نتاجات ثقافة العولمة السياسية على وجه الخصوص، وذلك لأن جيل الشباب سيعتبر ظاهرة العولمة من المفاصل التاريخية التي ستتشكل منها ذاكرته التاريخية بما تحتويه هذه الذاكرة من تراكمات معرفية، ومن خيارات الفعل أو الإحجام، الموافقة أو الرفض، القبول أو الممانعة"([5]).
 وإضافة إلى هذا فإن من طبيعة هذه الممارسة أن ينتج عنها عملية التكيف النفسي التي تتولد بفعل الممارسة والاحتكاك المتواصل، وبشكل متكرر ويومي، مما يعطي مفردة العولمة حضوراً مقبولاً على مستوى التصور الذهني بالنسبة للجيل الشاب (في دول مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة)، وبفعل هذا التواصل المعتمد على تقنيات الاتصال الحديثة سيخلق فرصاً لنمو مجموعة من القيم والمفاهيم ذات العلاقة بالشأن السياسي والاجتماعي التي تظهر على شكل ممارسات تكشف عن نمط ثقافي قد تشكل من خلال هذا التواصل.

الشباب في دول مجلس التعاون يشكلون "أملا" و "مخاطرة" في الوقت نفسه، وعلى الكثير من السياسات المتخذة اليوم ستتقرر الكفة الراجح بين "الأمل" أو "المخاطرة" الأمل أن يحصل الشباب على تعليم حديث متفاعل، ويلتحقوا بمجتمع منتج يقدر "الإنجاز" ويسهل طريقه ويحتفي به. المخاطرة أن تستولي على عقول هؤلاء الشباب أفكار "تعصبية" يعادون فيها مجتمعهم والعالم في سبيل تحقيق رؤية غير عقلانية لمستقبل العالم وموقعهم فيه.

عام 2025 يمكن أن نحصل على الشريحتين معا، ويمكن أن تتغلب شريحة على أخرى، إلا أننا إن أخذنا ما نحن فيه اليوم ومددناه إلى ثلاثة عقود من الآن، فإن الأكثر جزما أن نحصل على شريحتين من شبابنا: الأولى ذات التعليم الحديث، والأخرى ذات التعليم التقليدي. ولأنه لدينا إشكالية مفاهيمية حتى الساعة لم نستطع كنخب أن نقوم بحلها، وهي إشكالية الخلط المضر وغير الصحي بين ثلاثة مفاهيم مختلفة هي  "الهوية" و "المعرفة" والثقافة". نجد أن البعض يهجر المعرفة لتصور خاطئ أنها تضر بـ "الهوية" كما يخلط بين "ثوابت الهوية" وبعض متغيرات الثقافة. هذه الإشكالية هي التي أنتجت لنا "أنصاف متعلمين" مازالوا يرفدون مجتمع الخليج بالكثير من الأفكار الضبابية المعطلة -في نهاية الأمر- للتنمية المبتغاة.

([1]) التحديات السياسية والاجتماعية في الكويت والوطن العربي – بحث في مضامين الوعي السياسي عند طلاب جامعة الكويت، للدكتور علي أسعد وطفة، بمجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت– مج /31/العدد/3/يناير – مارس 2003 م ، ص 69 ، 70
([2]) د. علي أسعد وطفة، البحث السابق،  ص 71، والمراجع المشار إليها فيه.
([3]) عبد الإله التاروتي، البحث السابق، ص 117
([4]) الشباب وثقافة العولمة السياسية، عبد الإله التاروتي، البحث السابق، ص 119م.
([5]) البحث السابق ، نفس الصفحة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال