نسقية الكفايات.. جدوى عقلنة التعليم وقدرته ومدى نجاعة المدرسة في ملائمة وضعيات الحياة في العمل وخارجه

نسقية الكفايات:

إن الكفاية لدى كثيرين مفهوم متسم بالليونة، وهي بالتالي كل مندمج ووظيفي للمعارف والمهارات، ومعرفة جيدة للتصرف أمام مجموعة من الوضعيات.
إنها تميل إلى حل المشكلات والتكيف مع أية وضعية جديدة أو معقدة، ثم إنجاز وتحقيق مختلف المشاريع.
إنها بالتالي تلغي تلقين المعارف وتحصرها في جانب واحد وهو المدرس. بل إنها تكتسب بجعل المتعلم في قلب الاهتمام، وتمكينه من استغلال فاعليته في مختلف الوضعيات الملموسة.
وتأتي مرجعية الكفاية، المقتبسة من المجال الاقتصادي، لتمد المتعلم بآليات لمواجهة كل طارئ خارج أسوار المدرسة، وتسعى لتأهيله لمجابهة الغد بمختلف تحدياته.

المقاربة بالكفاية:

تسعى المقاربة بالكفاية إلى الإجابة عن جدوى عقلنة التعليم وقدرته، ومدى نجاعة المدرسة في ملائمة وضعيات الحياة في العمل وخارجه، ويمر هذا عبر حاجات سوق الشغل.
ومن هنا يتحول التركيز على المعارف إلى التركيز على المهارات، أو لنقل بتحفظ بأقل قدر من المعارف.
نحن الآن هنا أمام مطالبة المتعلم بحضور قوي وملموس فيزيائيا وذهنيا وعاطفيا، وهو ما ينبغي توفره فعلا في مجال المؤسسات التعليمية العمومية وبخاصة القروية منها.

الكفايات والقيم:

من زاوية أخرى، تكون المضامين التعليمية مطالبة بمراعاة قيم المجتمع الدينية والوطنية والخلقية.
فالمنهاج مطالب بإلغاء غرابة المتعلم داخل المجال المدرسي. وأن يتفادى الصراعات الضيقة، وينصب في اتجاه خدمة هوية دينية ووطنية صلبة وحقيقية، لا تركن إلى الماضي ركون الجامدين، ولا تنزع إلى الآخر نزوع السلبي والمتلقي.
المطلوب إذن، هو أن يكون الخطاب الموجه للمتعلم خطابا تربويا بيداغوجيا إجرائيا، يحمل هوية وقيم المجتمع ومكوناته المادية والبشرية وتطلعاته وإمكاناته الحقيقية.
لقد أصبحت الأفكار هي القوى التي تدفع الإنسان إلى أن يتخيل صورا لحالة أفضل من التي يعيشها، وعلى أساس هذه الأفكار يستطيع أن يرسم ويخطط لهذه الحياة الأفضل حتى يكون الرسم والتخطيط صالحين للعمل.
وبذلك أصبحت المثل العليا التي يدين بها الإنسان في الوقت الحاضر طرقا ومناهج ترتبط بعالمه الذي يعيش فيه لترتفع به وتحسن منه، بعد أن كانت هذه المثل العليا أهدافا وغايات منفصلة منعزلة.

الكفايات والجودة:

ويتزامن الحديث عن الكفايات مع الحديث عن الجودة ومقاييسها.
بل يمتد الأمر لأن تصبح للجودة وكالات ومكاتب مختصة، لتنزح من المجال التقني والتكنولوجي ومن التكوين المهني لتحط رحالها بالميدان التربوي راجية تحسين النتائج باستمرار، وساعية لنجاعة أكثر، ويترتب عن هذا كله تنافسية تلغي حدود البلدان بين المؤسسات التعليمية والجامعات ومؤسسات التكوين عموما.
وفي نفس الصدد يمكن الحديث عن تقويم المردودية ووضع مؤشرات تساعد على اتخاذ القرار.
وهذه المؤشرات ترتبط بإنتاجية أنظمة التكوين وبنجاعتها في تحقيق أهدافه الداخلية والخارجية من جهة، وبتكاليف التكوين وفعاليته وكلفته من جهة أخرى.

الكفايات والمقاولة:

إن هذه النظرة للتعليم تنشطر إلى عدة رؤى تأخذ أشكالا مختلفة من التحليل، فالبعض يرى في التعليم مقاولة، والبعض يراه قطاعا غير منتج، في حين يكون نوع ثالث بصدد الحديث عن  فصل المؤشرات إلى صغرى تهم الممارسة بالمدرسة والمقاولة، وكبرى وطنية ودولية...
وإذا كان نظام التكوين عموما يهدف إلى تنمية كفايات أساسية لدى المتعلم، فإن مختلف هذه الأنشطة تشمل الأبعاد الثلاثة المشار إليها سابقا: المجال المعرفي والمجال الحس حركي والمجال الوجداني العاطفي.
والمطلوب أن تنصهر بعضها داخل بعض حتى يتحقق التوازن المرجو.

خصائص مشتركة للكفاية:

من خلال ما سبق ذكره يستنتج أن الكفاية مفهوم متشعب، وأنه من الصعب الاتفاق حول تعريف دقيق ومحدد له، إلا أنه يمكن الحديث عن خصائص مشتركة للكفاية، من قبيل القدرة على دمج المعارف والمهارات المختلفة وتنظيمها وتحويلها في سياق محدد إلى عناصر توظف لحل المشاكل وإنجاز المشاريع والأنشطة.
وهي بالتالي عملية متميزة بالتجديد والحركية ومطالبة بالتطور ومسايرة الظروف المتغيرة.
ويظهر في هذا الإطار، الجانب الوظيفي والإبداعي للكفاية من خلال الإنجازات والسلوكات والمؤشرات التي تدل على تحققها،إنها بهذا كله نسق يمكن من التصرف الجيد في الوقت والمكان والوضعيات المختلفة.

جوانب نسقية الكفايات:

نسقية الكفايات هي عملية تنسيق ومزامنة الكفايات في سياق محدد، مثل نظام التعليم أو سوق العمل. تهدف نسقية الكفايات إلى ضمان أن تتوافق المهارات والمعرفة التي يكتسبها الأفراد مع احتياجات ومتطلبات هذا السياق.
تتضمن نسقية الكفايات عدة جوانب:

- تحليل الاحتياجات:

يتم تحليل الاحتياجات والمتطلبات في سياق معين، سواء كان ذلك في مجال التعليم أو سوق العمل. يتم تحديد الكفايات المطلوبة وتحديد المهارات والمعرفة التي يجب أن يتمتع بها الأفراد.

- تصميم المناهج:

يتم تصميم مناهج وبرامج تعليمية تستهدف تطوير الكفايات المحددة. تتضمن هذه المناهج وسائل تعليمية وأنشطة تعليمية تساهم في تحقيق الكفايات المستهدفة.

- تقويم وتقييم الكفايات:

يتم تطبيق آليات تقويم وتقييم تحقيق الكفايات لدى الأفراد. يمكن أن تشمل هذه الآليات اختبارات ومشاريع تطبيقية وأداء عملي لقياس مدى امتلاك الأفراد للكفايات المطلوبة.

- توجيه وتدريب:

يتم توجيه الأفراد وتوفير التدريب والتوجيه اللازم لتحقيق الكفايات. يتضمن ذلك توفير فرص التعلم العملي والتطبيق وتوجيه الأفراد لتطوير الكفايات المستهدفة.

- توافق مع سوق العمل:

في سياق سوق العمل، تتطلب نسقية الكفايات تحقيق توافق بين الكفايات المكتسبة واحتياجات سوق العمل. يجب تحديد الكفايات التي يحتاجها أصحاب العمل وتوفير فرص للتدريب والتطوير لتلك الكفايات.

نسقية الكفايات تعتبر أداة هامة لضمان التوافق بين التعليم وسوق العمل وتعزيز فرص النجاح الشخصي والمهني للأفراد. تتطلب نجاح نسقية الكفايات التعاون والتنسيق بين المؤسسات التعليمية والمجتمع وأصحاب العمل.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال