حقوق الإنسان في الجزائر.. ممارسة التعذيب في السجون والمعتقلات السرية ووضع الجهاز القضائي في خدمة السلطة والدوس على حرية التعبير والصحافة

يعتبر المحامي علي يحيى عبد النور، و الناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي و بمجمعة غشير والسياسي المخضرم حسين آيت أحمد، وكلهم فعاليات لها كلمتها في المجتمع المدني الجزائري، أنه منذ إعلان حالة الطوارئ تميزت وضعية حقوق الانسان بالجزائر، خصوصا بإحداث معتقلات بالصحراء وممارسة التعذيب في السجون و المعتقلات السرية، والخرق السافر لحق الدفاع، ووضع الجهاز القضائي في خدمة السلطة و تحت تصرفها حسب ترغتها و حسب ما تمليه عليه، والدوس البيّن على حرية التعبير والصحافة، وحرماهن المواطنين من تأسيس الأحزاب و الجمعيات، و التعدي المفضوح على الحريات النقابية، و تحويل مواعيد الانتخابات إلى مهازل تكشف عورة البلاد و العباد.

و بذلك يُقرّ هؤلاء أن ما يسمى بـ "الديمقراطية الجزائرية" مجرد أكسسوار للديكور، ظل فارغا شكلا و مضمونا منذ تسعينات القرن الماضي بعد الانقلاب على صناديق الاقتراع بشكل سافر لم يسبق له مثيل. هذا هو واقع حال حقوق الإنسان بالجزائر خلافا لما يُروّج له القائمون على الأمور بها.

أما بوغيرة سلطاني، رئيس حركة المجتمع للسلم (MSP)، فيعتبر أن إشكالية حقوق الإنسان بالجزائر ليست مرتبطة بغياب القوانين وإنما بالهوة بين النصوص و التطبيق.

إن جوهر المشكل، في نظره، يكمن في توزيع الأدوار بين الأحزاب السياسية و النقابات و المجتمع المدني و النخبة، إذ أن كل هذه المؤسسات لا تتوفر ‘لى أية صلاحة مهما كانت بفعل تمركز كل الصلاحيات وآليات الفعل والتأثير بيد الحاكمين.

في حين تُقرّ الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن التمتع بالحقوق المدنية و السياسية في الجزائر مرتبط بإيلاء أهمية متساوية لضمان مختلف الحقوق، والمشاركة في صنع القرار بشأن توزيع الثروات و الموارد المالية، وإعطاء المرأة كامل حقوقها، بالإضافة إلى استقلالية القضاء و الحكم الرشيد، و هذان شرطان أساسيان لتحقيق التنمية و التماسك الاجتماعي.

و تطالب الرابطة بفتح تحقيقات شاملة و مستقلة و حيادية حول الاختفاء القسري والاعتقال السري والاختطافات و التعذيب والعنف ضد المرأة و مححاسبة مرتكبي هذه الجرائم، كما دعت إلى إلغاء تجريم الصحفيين و إنشاء نظام فعال لمكافحة الفساد المستشري في دواليب الحكم بالجزائر.

و يذهب مصطفى بوشاشي، رئيس رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان بالجزائر، إلى القول إن قانون الطوارئ و قانون مكافحة الإرهاب (1992) و قانون غسل الأموال (2004) تشكل عقبات تسيء إلى مسار حقوق الإنسان. علما أن بوشاشي من المغضوب عليهم من طرف الحكام و الإعلام الرسمي الجزائري، و حضوره غير مرغوب فيه في الندوات، و هو الذي أرغم السلطات على محاكمة المعارض عبد القادر حشاني بعد أن أقبرته في غياهب السجن لأكثر من 5 سنوات دون محاكمة بتهمة إذاعة بيان صحفي مّا جاء فيه "(...) نتمنى من الجيش الوطني أن يحترم القانون و أن لا يتدخل في الأمور السياسية". كما كان بوشاشي من أول الجزائريين الذين نددوا بقيام "جمهورية ملكية" بالجزائر.

ويقول أحد الصحفيين الجزائريين- فضّل عدم الإفصاح عن هويته – كلما تكاثرت التساؤلات المحرجة بخصوص وضعية حقوق الإنسان بالجزائر، كان الرد غير المباشر من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن الحكومة الجزائرية قد قدمت "كدا" تقرير (غالبا ما يستعمل العبارة التالية " أكثر من 30 تقريرا") في عهده إلى المنظمات الدولية غير الحكومية، إلى أن أضحت لازمة في عيون الرأي العام الداخلي و الخارجي. لكن كيف يتم إعداد هذه التقارير – لازمة الرئيس في كل حديث عن حقوق الإنسان في الداخل والخارج- و التي يفتخر بها؟ يجيب مصدرنا، إذا علمنا كيف تعد هذه التقارير، ومن يُعدّها، ومدى مصداقية المكلفين بها، و لماذا لا يتم إشراك منظمات وفعاليات المجتمع المدني المستقلة في إعدادها و تهييئها حتى تكتسب درجة مقبولة و مضمونة من الصدقية و المصداقية لدى الٍاي العام الداخلي و الخارجي، حينذاك لن نتجنب الصواب إن قلنا إن كلام السلطات الجزائرية و افتخارها بتحسن وضعية حقوق الإنسان هو مجرد ذر الرماد في العيون و محاولة يائسة لإقناع المنتظم الدولي بأن الجزائر تسير على منحى تحسين الأوضاع ليس إلا.

و الدلائل، وما أكثرها، هو أن مختلف التقارير الأجنبية، سواء العربية منها أو الغربية،عبّرت عن أسفسا لما وصفته بالتدهور المطرد لحالة حقوق الإنسان بالجزائر. و تكفي الإشارة إلى أن قانون الطوارئ و "ميثاق السلام و المصالحة الوطنية" و تطبيقات مقتضيات ما يسمى بـ "مكافحة الإرهاب"، كلها أضحت ن منذ سنوات، مدخلا معتمدا على الدوام لتبرير تكريس سياسات الإفلات من العقاب و ترسيخ التغطية على الانتهاكات الجسيمة التي تقترفها، في واضحة النهار و أمام الملأن الأجهزة الأمنية و الإخلال بمعايير المحاكمة العادة و العدالة الاجتماعية و ضمانات حرية التعبير و الرأي. و هذا ما أرادت التعديلات الدستورية الأخيرة ترسيخه رغم معارضة العديد من الجزائريين المغلوب على أمرهم بفعل الحكم العسكري الذي يطوقهم من كل الجوانب.

حسب جملة من الإعلاميين الغربيين،إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كلما تحدث عن حقوق الإنسان ببلاده، ترك الانطباع بأن في الأمر إحراجا و انزعاجا كبيرين، لذلك فناذرا جدا ما يتطرق رسميا و علنيا لهذا الموضوع بطلاقة و حرية.

ففي كل مناسبة نضالية، محلية أو إقليمية أو دولية، ذات الصلة بالحقوق و الحريات، أُ ُجبل الحكام بالجزائر على اعتماد نهج وحيد، لا ثاني له، الصمت المطبق حول الوضعية الحقوقية، و ظلوا، على امتداد السنوات الثلاثة الأخيرة، يعزفون على وتر العفو على المسلحين و تحقيق ما يسمى بـ "المصالحة الوطنية"، وقد تم تكرير هذه المهزلة بامتياز بمناسبة الذكرى 61 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1 دجنبر 1948).

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال