اليونيسكو مستشفى العالم.. المنظمات الدولية المتحدة هي ذراع الأخلاق في العلاقات الدولية وخزينة لذاكرة العالم التي تطمسها الحروب هنا وهناك ومدخر لديمومة التنوع الإنساني

إذا كانت الشركات الكبرى ولوبيات النفوذ هي ذراع المصالح في العلاقات الدولية، فإن الهيئات والمنظمات الدولية المتحدة هي ذراع الأخلاق في العلاقات الدولية، أو هكذا يُفترض على أقل تقدير.

لكننا، لا شك، ننظر إلى جسد العلاقات الدولية وهو بذراعين غير متكافئتين، في القوة والنفوذ.

وهي علّة غير ناشزة في سياقها، بل منسجمة ومتجانسة مع ما أشرنا إليه آنفاً من شكل العلاقة المعيارية بين الأخلاق والمصالح، وما دام أن هيئات الأمم المتحدة الدولية لم تستطع الفكاك من دوغماتية الدول الكبرى المتنفذة، ذات النسب الأكبر في تمويل المنظمات، فإن صغر وضعف ذراع الأخلاق أمام ذراع المصالح، هو اتساق طبيعي مع مجريات الدلائل المنوط بها نوع العلاقات الدولية.

بعد هيمنة أدواء الحرب العالمية الثانية على العالم، كانت الحاجة إلى إنشاء هيئة دولية تتولى ترميم مُثُل التربية على السلام والتنوع الثقافي والأخلاقيات العلمية، فظهرت هيئة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) لتكون «مستشفى» العالم من جروح الحرب العالمية.

لكن، بقي السؤال الذي يعاودنا دوماً إزاء أية مبادرة دولية مفرحة ومخيفة في آن: هل أمكن اليونيسكو أن تكون مستشفى عاماً أم مستشفى نخبوياً يسيطر عليه أطباء مسلحون؟!

لن نبرئ اليونيسكو من لوثة التحيز التي تصيب المنظمات الدولية، لكن من جانب آخر يبدو جلياً أن اليونسكو قادرة على التعامل مع إدارتها وقراراتها في شكل أفضل من الأمم المتحدة «الأم» التي انطمست لديها أي قدرة على الاستقلال والحياد، من خلال هيمنة مبدأ (حق الفيتو)، الذي هو المبدأ الأشرس ضد مبادئ حقوق الإنسان.

استطاعت اليونيسكو أن تقر بالتصويت، عام 2005، اتفاقية التنوع الثقافي، التي وقفت أميركا ضدها بقوة، لكنها قوة ينقصها حق الفيتو، الغائب في اليونيسكو. كرّس إعلان التنوع الثقافي «الإقرار بالمساواة بين الصيغ التعبيرية المختلفة، على اعتبار أن تنوعها ينبغي أن يكون حافزاً على إدراك ما تستبطنه كل خصوصية من طرافة وإضافة».

ذلك ما يعزز القيمة الأجلى في العلاقات الدولية والعلاقات الفردية، وهي قيمة التسامح إذ «انطلاقاً من هذا الإقرار يضحي التسامح اعترافاً بحقوق شاملة للذات الإنسانية وبالحريات الأساسية لكل الأفراد».

إعلان التنوع الثقافي من اليونسكو، لن يحقق لنا ما سماه عبدالوهاب المسيري «الفردوس الارضي»، لكنه حتماً يمكن أن يكون خزينة لذاكرة العالم التي تطمسها الحروب هنا وهناك، ومدخراً لديمومة التنوع الإنساني.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال