زمن التعليم وزمن الاقتصاد.. العمل العقلي-العصبي أكثر إرهاقا وإنهاكا من العمل الجسدي

كثيرا ما طالبت بعض النقابات التعليمية بتخفيض ساعات عمل المدرسين، وخصوص في الابتدائي، وفي الأغلب لاعتبارات بيداغوجية، على اعتبار أن التعليم هو عمل جسدي وعقلي-عصبي بالدرجة الأولى، وبعض الدراسات العلمية أثبتت بأن العمل العقلي-العصبي أكثر إرهاقا وإنهاكا من العمل الجسدي.

وهنا نطرح سؤالا ظل مغيبا لعقود:
لماذا هناك اختلاف وتفاوت في ساعات عمل مدرسي مختلف الأسلاك التعليمية؟
ما هي المعايير والأسس المعتمدة في ّذلك؟
هل هي بيداغوجية؟
هل لها علاقة بعدد المتعلمين والحجرات الدراسية؟
هل لها علاقة بالشواهد التعليمية والمهنية...؟؟!
أم لها علاقة فقط بالتدبير المالي للمناصب المالية والميزانية العامة المخصصة للتعليم؟

حيث هناك علاقة دالة بين عدد ساعات العمل وعدد المدرسين والغلاف المالي لتدبير التعليم والمناصب.

هل من الإنصاف البيداغوجي والاجتماعي أن يعمل مدرسو التعليم الابتدائي وحدهم، دون غيرهم من مدرسي باقي الأسلاك التعليمية، حوالي 29ساعة في الأسبوع؟

ومن المعروف أن التعليم الابتدائي أكثر إنهاكا وأكثرأهمية لما له من وظائف بنائية أساسية تؤثر على فعالية وجودة الأسالاك التعليمية اللاحقة.إنه يجب إعادة النظر في عدد ساعات عمل المدرسين وفق خصوصية مهنة التعليم، وضمانا للفعالية والإنصاف.

إن صناعة مستقبل ونهضة أمة لا يتم انطلاقا من حسابات مالية وتقنية ضيقة لتحقيق التوازنات الماكر واقتصادية وذلك على حساب قطاع مجتمعي حيوي واستراتيجي كالتعليم.

هناك مجالات أخرى يتم فيها هدر ونهب الأموال العامة هباء، ووجب إعمال سياسة الترشيد والتقشف أو المراقبة والعقلنة فيها، وقد تكون لوحدها كفيلة بتحقيق فائض ماكرواقتصادي وليس التوازن فقط.

في الأخير، نشير إلى أن الزمن البيداغوجي لنظام التربية والتكوين، لا زال زمنا ماقبل-علميا، يهيمن عليه الزمن التدبيري التقني ذو الأهداف الاقتصادية التقشفية أوالتجارية (عدد الكتب المدرسية...)، والزمن الإيديولوجي السلبي.

إننا في حاجة إلى إعمال العلم والمصلحة العليا للوطن، لتحديد زمن بيداغوجي حقيقي وموضوعي يراعي الخصوصيات البيداغوجية، أوالسيكواجتماعية، للمنهاج التعليمي وللمتعلمين، ولمحيط المدرسة، وللمدرسين، ولمتطلبات التنمية البشرية الحقيقية، ولنهضة وتقدم البلاد عامة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال