الديموقراطية في روسيا.. شكل ممكن من تبني ديموقراطية ذات عمق خاص للجنس البشري الجماعي

ليست المسألة الاقتصادية وديناميتها، هي الوحيدة التي تحط بثقلها على مستقبل روسيا. فالأمر الآخر الأساسي، غير المعروف، هو مصير النظام الروسي، حيث ما من أحد يستطيع التأكيد أنه سيكون ديموقراطياً ليبرالياً.
إذ تكتب الصحافة الغربية ووسائل الإعلام "السمعية ـ البصرية"، وتؤكد لنا يوماً بعد يوم، أن بلد فلاديمير بوتين، يتعرض إلى تطبيع حقيقي على المدى المتوسط. حيث ستصبح أقنية التلفاز، والصحافة الواحدة بعد الأخرى، مستعيدة لصوابها، عن طريق السلطة، حتى إذا سمحت وسائل الإعلام الغربية، في الوقت نفسه، فإن الأمر يتعلق بتحطم قوة الطبقة الحاكمة الأوليغارشية ـ أي حكم القلة، أو حكومة يهيمن عليها جماعة صغيرة نافذة همها الاستغلال ـ ولدت من الفوضى الليبرالية الكاذبة أو المستعارة (PSEUDO - LIBÉRALE)، خلال السنوات (1990ـ 2000)، وليس عن طريق حرية الاستعلام. على كل حال فليس هناك احتكار لوسائل (بصرية ـ سمعية) معترض عليها، ومخصصة لتصبح محطمة.
هناك، في روسيا، رئيس للجمهورية قوي، انتخب بالاقتراع العام، وهناك برلمان، أقل قوة، لكن، في الوقت نفسه، منتخب عن طريق الاقتراع العام. ويوجد تعددية في الأحزاب السياسية أيضاً. تُمَوَّلْ من قبل الدولة، كما هي الحال في فرنسا، وفي الولايات المتحدة، ومن قبل الشركات، الكبيرة جداً. ويمكن تمييز ثلاث قوى رئيسة: الحزب الشيوعي، والحزب المركزي الحكومي، وحزب يميني ليبرالي. ولم تأخذ الديموقراطية الروسية، الشكل الكلاسيكي، أو التقليدي، التناوبي، والتعاقبي، من الطراز الأنجلو ـ ساكسوني، أو الفرنسي، أو من الديموقراطية اليابانية. فإذا استقر هذا الطراز، سيصبح باستطاعتنا القول، إنها ديموقراطية، تمثل شكلاً ممكناً، من تبني ديموقراطية ذات عمق خاص، للجنس البشري الجماعي.
تجتاز الديموقراطية الروسية، بالتأكيد، المرحلة التي تأخذها الحكومة المركزية، على عاتقها، كضرورة، بعد الفوضى التي انتشرت في السنوات (1990ـ 2000). مع ذلك، شنت حكومة بوتين، حرباً قذرة، في الشيشان، على حدود الاتحاد الروسي، حيث يمكن الأخذ بالاعتبار الحضور اللامحدود للأقليات العرقية، في الاتحاد الروسي، وهذا يتطلب منع الدولة الروسية من العمل على إعادة الشيشان إلى الصواب. وإلا سيؤدي ذلك إلى تفكك الاتحاد بصفة نهائية، بحيث يطمئن النشاط الذي تمارسه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، الـ (CIA) في القوقاز، خلال عشر السنوات الأخيرة، وتولي مستشارين عسكريين من الولايات المتحدة، مهمات في جورجيا، يضمن للنزاع بعداً دولياً. فهذا يعني المجابهة، بين روسيا والولايات المتحدة، ويتوجب على القوتين تقاسم المسؤولية الأخلاقية عن الخسائر البشرية بإنصاف.
فإذا كلفنا بالحكم على روسيا، يجب علينا تبني تصور أوسع، يتخلص من قصر النظر التاريخي للتفسير، يومياً، دون الاهتمام بالمستقبل. يجب علينا مواجهة، هذه التي حققتها روسيا خلال عشر سنوات، بين الآلام الاقتصادية والاجتماعية الضخمة.
فقد قضت روسيا بنفسها على النظام الاستبدادي، الأكثر في العالم، والذي لم يقم مثله في تاريخ البشرية. فقد قبل أن تحوز توابعه من بلدان أوربا الشرقية، على استقلالها، دون عنف، ثم تبع ذلك، البلدان البلطيقية، وجمهورية القوقاز، وآسيا الوسطى. وقبلت روسيا بتصدع القلب الخالص للدولة الروسية، بانفصال بيلاروسيا وأكرانيا. وسمحت، باستقلال معظم الدول الجديدة، على الرغم من وجود أقليات روسية ضخمة فيها. لكن، ما من شيء مثالي، إذ يمكن الإشارة، إلى أنه لم يكن أمام روسيا من خيار. وأن ترك هذه الأقليات في أماكنها في الخارج، كان حكيماً بالنسبة للمستقبل. وإذا كان ذلك صحيحاً، فلا يمكن إلا أن نثني على هذا الذكاء وسيطرة القادة الروس الذين فضلوا مستقبلاً بعيداً ـ على سهولة فورية، وعنف غير مفيد. إنها قوة عظمى وخلال عشر سنوات، قبلت روسيا جميع التراجعات سلمياً، والتي رُفِضَت للصرب في زمن ميلوسوفيتش. وبالقيام بذلك ـ أظهرت روسيا أنها كانت أمة عظيمة، تحسب للمستقبل وبمسؤولية. إذن يجب أن نقبل، في يوم ما ـ على الرغم من الهول الستاليني ـ بالمساهمة الإيجابية في التاريخ المتضمن أعظم عالمين في الأدب، مع غوغول، وتولستوي، ودوستوويفسكي، وتشيخوف، وتورغينيف، وآخرين كثيرين بأن الإعلان إلى ماضي الشيوعية، لا يشكل وصفاً مستنفذاً للتاريخ الروسي، بالنظر.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال